لماذا أرى الآن الخلود فكرة عبثية، أن أترك بناءً شاهقًا يذكرني
الناس به، أن أترك كتبًا وعلمًا كثيفًا؟!
سيقرأ قصصي ورواياتي الملايين من الناس على مدار السنوات القادمة
وسأكون أنا طي النسيان، هل سأستعيد روحي بتلك القراءات، لا شيء مهم.. كل ما فعلته
أنني وضعت ألمي بداخل الأوراق. ظللت لسنواتٍ كثيرة أكتب بشغفٍ وتعب، ثم أضع كل ما
أكتب بين يدي الناشر لينتفع بثمنها، وأموت أنا جوعًا، أي خلودٍ هذا إذًا؟!
أمي خالدة، لم تؤلف العديد من الروايات، ولم تضع فرشاتها على لوحةٍ
واحدة.. أراها في كل مكانٍ حولي، تعجن الخبز بيديها
العاريتين، وتنظر ناحيتي وتخبرني بأن الإفطار على طبلية الطعام.
أبي خالدٌ، مازلت أراه في
مرضه الأخير، يُشير إلى عنقود عنبٍ على التكعيبة ويقول: هاته.
يضع مصروفي في يدي
قائلًا: لا تتأخر.
كل الراحلين يعيشون هنا،
لم يبرحوا المكان، ولم يغادروا أبدًا.. لم ينكفئوا على الأوراق ولم تصب أطراف
أصابعهم بالحكة من جراء الضغط على لوحة المفاتيح.
الخلود، أي خلود؟!
الآن، بعد أن مر الزمن، لماذا لا أموت؟!
تركني الرب لأكتب كل القصص التي مرت من هنا، صرت مؤرخًا للتفاصيل
البسيطة، حينما سمعت صوتًا داخلي.. الحياة هي تلك التفاصيل.
أحمد سعيد