عُــزلة يكتبها حسن عبدالهادي
قديمًا قرأ عن قصة “الحي بن يقظان” لابن طفيل،ومن بعدها “روبنسون كروزو”لدانييل ديفو،وتتحدث القصتان عن الإنسان الذي ولد وعاش بمعزل عن العالم المتحضر،في جزيرة منعزلة،الأول أرضعته غزال،والآخر وصل إليه الإنسان المتحضر”المتوحش”ليأخذ به إلى سلم الحضارة..
أي حضارة تلك التي قامت على القتل والاحتلال والاستعباد،حضارة الألمان في القرن العشرين،أم حضارة الفرنسيين في أوائل القرن التاسع عشر،صحيح أن هاتين الدولتين صارتا مثالًا يُحتذى به ولكن التاريخ لا يتغير..ولا يُنسى..
هو الآن يفضل أن يبتعد عن الناس،هل لاعتزال قومه مكسب له،حتمًا،ألم يعتزل الرسول قومه في غار حراء وانقطع للعبادة،يشعر بأن الوحدة تعطيه بعدًا يملأ نفسه بالزهد والصفاء،ألم يقل القرآن الكريم في قول إبراهيم أبي الأنبياء لقومه “وأعتزلكم وما تعبدون من دون الله،وأدعوا ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا”..
اختار أن يبقى وحيدًا وينقطع في محراب القراءة،أمس تحدث أهله معه عن تغيير حياته الاجتماعية،فقرر استئجار تلك الحجرة أعلى سطح البناية الكبيرة لتكون محرابه الخاص،ينقطع للقراءة،يخرج ليلًا ناظرًا إلى السماء متأملًا،يعيش على طعام قليل لترويض نفسه على الابتعاد عن الملذات،يتفرغ للكتابة التي تُلهمه السعادة الحقيقية..لقد أكسبته تجربته الكثير..
وزاره أحد أصدقائه ليجد لحيته قد نبتت وتغير شكله وسأله أما له أن يعود للواقع،فتبسم الشاب وقال “الواقع مؤلم،وأفضل أن أبتعد عنه،أنا هنا أعيش في عالمي الخاص..في الجنة”..
بابتسامة جمعت بين السخرية والشفقة تطلع صديقه إلى الحجرة الوحيدة التي لا تمتلأ إلا بأكوام الورق،وقد رآها نموذجًا خارجيًا للفوضى بينما مثلت للشاب المكان الذي ينتمي له.