حوار مع السيد مارميلادوف المحترم
“لابد لكل انسانٍ من أن يجد ولو مكاناً يذهبُ اليه، هل تدرك معنى ألا يكون للإنسانِ مكانٌ يذهبُ اليه؟” هذا الكلامُ وهذا التساؤل هو ماوردَ على لسانِ مارميلادوف في رواية دوستويفيسكي العظيمة الجريمةُ والعقاب، والمقصود بالمكان هُنا حتماً ليس بالمكانِ الجُغرافي أو مكانٌ تدخل احداثياته على تطبيق ال GPS في هاتفك النقال فيظهرُ لك، المقصود به شخصاً تلجأُ اليه، شخصٌ يكن لك داراً ووطناً واماناً.
اني أتفقُ تماماً معكَ ياسيد مارميلادوف. ولكن، اسمح لي أن اسألكَ سؤالاً آخر، هل جربتَ شعورَ أن تجدَ مكانك الذي اعتقدتَ أنه ديارُكَ ووطنُكَ وأهلُك، ثم مالبث هذا المكان أن تخلى عنك! هل جربت شعور أن تطرُقَ بابهُ فلا تجِدَ منهُ اجابة! هل أحسستَ من قبلُ بأنك غدوتَ غريب ديارك! هل جربت شعور أن يستغني عنك وطنك بعد أن قدمت له كل شيء، كجنديٍ ضحى بكل شيءٍ من اجل وطنه وعندما انتهت الحرب وجد ان وطنه قد استغنى عنه!!
ان هذه التجارب اقسى بألفِ مرةٍ من عدم وجود مكانٍ تذهبُ اليه ياسيد مارميلادوف! والآن اجبني رجاءاً، ما الذي تبقى لي بعدَ ان تخلى عني وطني وفقدتُ دياري واماني “فلمن اشكو كآبتي” ياسيدي (تشيخوف)؟ “الن ينتهي بؤسنا ابداً” (فان جوغ)؟ لماذا نحنُ “مذلون مهانون” ياسيدي (دوستويفسكي)؟
بل دعني اعلنها لك صريحةً ياسيد مارميلادوف نحن من “البؤساء” ياسيدي(فيكتور هيجو) لقد تخلى عنا من نُحبْ لقد اكلَ علينا الزمانُ وشرب لقد نسينا العالم. ترى ما “الجريمة التي ارتكبناها حتى نستحق هذا العقاب” (دوستويفسكي)!؟