دراسة في رواية “فيتو” للكاتبة مها المقداد.
محمد محي الدين أبوزكو
مرور سريع على الرواية
الرواي:
نجد ان الكاتبة جعلت الراوي عليم بكل تفاصيل الشخصيات و رقم انه صوت الكاتبة نفسها الا اننا نستشعر الشخصيات تتحدث بنفسها و كأن كل شخصية تروي هي الاحداث و تفسر تصرفات الغير حسب رأيها هي دون ادنى تجنى من الكاتبة التى تركت زمام سرد الاحداث يمضى كما تريد حسب صفات و سمات الشخصيات بصورة منسجمة و رائعة دون غلو.
الشخصيات:
الصور الجمالية للتناقض:
نجد ان التناقض كان له الاثر الأكبر في انسجام و توافق شخصيات بعض القصص و المواقف داخل الرواية و مثال على ذلك (رهف و نسمة رغم التناقض الكبير بينهم من حيث السلوك و الصفات الشخصية و السمات المكتسبة نجد ان كل شخصية مكملة للأخرى، فمؤامرات نسمة تلك الفتاة اللعوب لم تذيد رهف الطيبة و العفيفة الا قوة و عزيمة للصمود و بالعكس تماماقوة و ثبات رهف ما ذادت نسمة الا تهورا و تمادي في السلوك الغير مسؤول و الملاحظ لحياته الاثنين ان نسمة تنعم في كنف اسرة ثرية و لها من يحميها لكن اسرة طماعة و بخيلة منعت عنها التعليم و بالاتجاه الثاني رهف يتيمة فقيرة معتدة بنفسها علمت نفسها و عملت و اجتهدت و رغم ذلك ظلت محافظة على عفتها و كرامتها؛ ونستشعر من قصة الشخصيتين ما تود الكاتبة ان تقوله لنا ان:
( تعليم الفتاة ضروري جدا، لحمايتها من توغل الثقافات الدخيلة على المجتمعات العربية المحافظة و الاسلامية و كذاك سيجعل لها مكانة يحترمها الجميع، و ايضا ان عمل الفتاة مهما كانت قوية و مهما ظلت لوحدها صامدة دون زواج لن تستطيع اكمال حياتها بصورة طبيعية آمنة).
شخصيتي ام فاروق و ام حسين:
ام فاروق تلك المرأة التى نجدها كثيرا في مجتمعي السودان و مصر معا اعتقد انها تستحق دور الشرير و رغم شعورها بالندم الا انها كانت صاحبة النصيب الاكبر من تعلق زاكرة القارئ بها و لأن السرد الهرمي المتفرع منها جعلها اللبنة الاولى و حجر الزاوية من الرواية و استعانة الكاتبة بها لتجعلها في مقام الراوي للاحداث رغم انها ليس الراوي؛ و لا اعتقد ان تكون شخصية ام فاروق بمنفصلة عن جليستها ام حسين التى تشاركها نفس المهم رغم دورها الاقل فاعلية من ام فاروق لكن بدونها لا يمكن ان تكون هنالك ام فاروق و بالطبع هاتين الشخصيتين اضافتا للرواية بعدا فريدا من حيث صورة المشاهدة للاحداث فنجد ان معظم القصص تبدأ منهن و بالتالي كانتا همزة الوصل بين قصص الرواية المتعددة و ايضا حجر الزاوية لهن و اقرب مثال قصة جارتهن سماح و التي لو لا هاتين الشخصيتين لما استطاعت الكاتبة ايجاد موضع قدم لها و هنا نجد ان الشخصيتين قدمتا المساعدة للكاتبة في هذا الامر ان لم نقل انهن من كتبتا قصة ام سماح و هنا تتحلى قدرة الكاتبة في صنع شخصيات تقاسمها الكتابة و التحكم الكامل في الرواية.
تداخل الشخصيات في مصائر القصص الاخرى:
نجد ان تادخل القصص المتميز مع بعضها البعض صنع لنا حبكة محكمة المتانة دون تعقيد او حياد از حتى نفور الشخصيات من الاستمرار في دورها؛ و يعود ذلك بفضل تدخل الشخصيات في تحديد مصائر القصص الاخرى.
و مثال على ذلك:
( رهف التى كانت سببت في جمع نهى و عماد بصورة مباشرة و لكن ما قد يخفى على البعض التدخل غير المباشر في حياة سما اخت حسام حيث كان لرهف الدور الاكبر في جعلها تعلم خطأها الفادح بلتفريط في عماد الذي كان يقدرها و يحترمها، و لعل الكاتبة هنا تقول؛ كل شخص في حياته سيلتقي من يحترمه و يقدره لكن علينا فقط ان نعلم ذلك بسرعة و عدم التفريط فيه).
و مثال آخر:
( المرأة تلك التى تزوجها رحيم عرفيا رغم ان دورها في القصة لم يتخطى مشهدا واحد، بل جملة او جملتين لكن كان لها الاثر الاكبر في تقرب رحيم و رهف لاحقا و اعتقد ان هذا الامر يعد امتيازا من الكاتبة حيث وجود هذه الشخصية كان ضروريا و لو انها استعانت بمشهد او موقف اخر لما كان له نفس هذا التأثير على القارئ و لما مثل نقطة تحول.
ربط القارئ بالقصص:
استطاعت الكاتبة سرد قصص جديدة على القارئ دون ان يفقد شغفه بالقصص القديمة بصورة زكية جدا و مثال على ذلك:
سرد قصة ايمن اخ سمر و رغم انها قصة قائمة بذاتها و لها مواقفها الا انها استطاعت ان تخدع القارئ بل و تجبره على ربط هذه القصة بقصة سمر و كأنهن شيئا واحد حيث إبتدرت القصة الواقعة بصفحة (61).
( و اذا بالهاتف يرن؛ انها والدة سمر قد اتصلت كي تبلغها ان اخيها ….).
و اعتقد ان هذه القصة رغم انها تخص شخصية قريبة من سمر الا انها قائمة بذاتها تحكي مأسآة تحدث للكثيرين و ليس لها علاقة بسمر سوى انها لاخيها و اعتقد ان الكاتبة ان اختارت ايمن بالذات حتى لا تنفر القصة من القصص الاخرى و بالتالي ظلت في اطار الرواية ضف الى ذلك المغزى من القصة نفسه فإختيار ايمن الاساسي ليس للربط السردي انما لرسالة تخبرنا بها الكاتبة و لو انها اختارت شخصا اخر لهذه القصة لما استطاعت ايصالها و تتمثل في نظرة المجتمع للفتاة و الولد و هذا في التباين بين موقف ام سمر حيث انها تدخلت و كفت الضرر عن ايمن الذي لحق به من حماته و مواقفها التعندية في امر إكمال الزواج بينما تباين موقف نفس الام حينما جاءتها سمر تشكو معاملة حماتها و كانت نصيحتها ان تلتزم بالصبر لا اكثر و هنا رسالة الكاتبة واضحة جدا و هي:
(إن المجتمع يعامل الفتاة بصورة سيئة و يجبرها على تحمل الكثير لمجرد انها إمرأة و نفس المجتمع يعامل الرجل على نحو مختلف و نجد هذه المعاملة من اقرب الناس الينا كالام في حالة سمر و في موقع اخر قصة نهى صديقة رهف التى تعاني التسلط و القهر من الاب و الام و الاخ).
و في المجمل العمل جميل جدا و نتاج لمجهود جبار من الكاتبة استطاعت ان تطوع الاحدث و الشخصيات ليخدموا رسائلها و لعل ابرز هذه الرسائل هي معاملة المرأة للمجتمع عامة و نظرتهم الواحدة و كذلك القضايا المتستجدة و كذلك مغالاة الاسر في زواج بناتهم ما يسبب لهن الكثير من الاذى النفسي و معاملة الحموات لزوجات ابنائهم و زواج الاقارب الذي ليس بالضرورة انه ناجح دائما و كذاك تسلط و تحكم الوالدين في حياة ابنائهم و محاولتهم العيش فيهم و الاهم من ذلك قضية العنصرية التى ما زالت تنهش في جسد المجتمع و تشكل غصة في حلقه.