المقال الثاني حول كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين
مرجيلوث المستشرق الأنجليزي وبن سلام الجمحي ورؤيتهما حول صحة الشعر الجاهلي
لقد أُتِهم العميد طه حسين بإنتحال ما قام به المستشرق الإنجليزي ديفيد صمويل مرجيلوث بمقاله حول صحة الشعر الجاهلي الصادر عام ١٩٢٥.
ولكن لو تفقدنا ما كتبه مرجيلوث في مقاله سنجده مختلف تماما على ماذكره طه حسين في كتابه.
مرجيلوث أنكر كل الشعر الجاهلي برمته أما طه حسين أنكر الكثرة المطلقة منه وأقر بوجود أثار لبقية الشعر الجاهلي.
مرجيلوث رأي في أن الشعر الجاهلي كله منحول برمته. وأعتمد على ذلك على الدرسات التي قامت بقراءة النقوش المتبقية على جدران الحضارة العربية القديمة وخلوها من أي كتابات عن الشعر.
ويذكر أيضا في مقاله
فمن ناحية يبدو لنا أن ثم إستمرارا:فشعراء العصر الأموي يمثلون شعراء عهد النبي وصحابته.
وهؤلاء الأخيرون تالون لشعراء الجاهلية. وبعض الدواوين المبكرة. مثل ديوان حسان بن ثابت مادح النبي يوحي بالقليل من الثقة. لكن سيكون من الصعب زعزة صحة دواوين شعراء العصر الأموي. وفضلا عن ذلك فإن بعض صناعه الشعر يبدو أنه وراء عبارات من نفس النوع ترد في العهد القديم من الكتاب المقدس، ومن هنا فإن الفرض بأن العرب ألفوا قصائد وإن كنا لا نستطيع أن نتيقن من أننا نملك الأن أي شعر أسبق من ظهور الإسلام وهو فرض ذو إغراء.
هذا كان رأي المستشرق الإنجليزي ديفيد صمويل مرجيلوث حول عدم وجود الشعر قبل الإسلام.
قد سبق مرجيلوث وطه حسين من العرب الأوائل إلى البحث في صحة الشعر الجاهلي وكان من أبرز هؤلاء النقاد والمفكرين العرب محمد بن سلام الجمحي (١٣٤-٢٣١هجريا)
ويذكر بن سلام في كتابه طبقات فحَول الشعراء
أسبابا عديدة لانتحال الشعر والتكثر من الزائف منه ومن هذه الأسباب
١-منها كذب الرواة للتكسب والتملق بالرواية أمثال
حماد الراوية وخلف الأحمر
٢-ووضع الشعر على لسان الشعراء الكبار مدحا في الأجداد وتملقا لذوي السلطان من المعاصرين طمعا في نيل عطائهم.
كما حدث لحماد في تأليفه قصيدة في مدح موسى الأشعري ونسبها إلى الحطيئة طمعا في نوال رضا بلال بن أبي برده.
٣-إنتحال القصائد للتفاخر القبلي. وكان قوم قلت وقائعهم وأشعارهم فأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع والأشعار، فقالوا على ألسنه شعرائهم ثم كانت الرواة بعدها فذادوا إلى الأشعار التي قيلت.
٣-إنتحال القصائد لأسباب دينية كما حدث بالنسبه إلى أشعار حسان بن ثابت.
وقد تأثر العميد بأفكار بن سلام والدوافع التي ذكرها بن سلام حجة على انتحال الكثرة من الشعر الجاهلي.
ومن هنا يتضح لنا حقيقية ثابتة وهي أن العملين (مقالة مرجيلوث وكتاب في الشعر الجاهلي) كلاهما قد نشروا في وقت قريب من بعضهما لايفصل بينهما سوا شهور.
وأن كلا من مرجيلوث والعميد قد توصل إلى آرائه مستقلا عن الأخر. فإن أراء مرجيلوث في الشعر تناقض العميد.
فمرجيلوث ينكر أن يكون الجاهليون قد عرفوا نظم الشعر، وأن ما وصل إلينا منه من صنع شعراء المسلمين الذي إحتذوا فيه لغة القرأن، على حين يذهب العميد إلى النقد في صحة الكثرة منه لا إنكاره برمته.
في المقال القادم إن شاء الله سنذكر بعض من نصوص العميد في كتابه الشائك. الذي أقام الدنيا ولم يقعدها وماتزال محل نقد وإستياء من بعض المفكرين المسلمين حتى وقتنا الحالي .