عبده مرقص عبد الملاك سلامة
يكتب
الجزء الثاني والأخير
من القصة القصيرة
(ذوق المدام)
ذوق المدام (قصة قصيرة)
بقلم الأديب الشاعر/ عبده مرقص عبد الملاك سلامة
الجزء الثاني والأخير
توقفنا في الجزء الأول عندما أجابها بأنه (الإثنان معًا)
ذات مرة كانا في إحدى المدن الساحلية السياحية، وخرجا يتجولان معًا، وظلا يتنقلان من متجر لآخر؛ حتى توقفت أمام إحدى (المولات) الكبيرة المتخصصة في بيع الأحذية الرجالي، وطلبت منه الدخول، ولما كان مدركًا لتأثير (القوة الناعمة) نبهها إلى أن هذا المتجر للأحذية الرجالي فقط، وعلى ما يبدو أنه غير عاد, وقال أنه ليس بحاجة لأحذية، ولديه عدد كبير لم يستخدمه بجانب عدد يستخدم؛ فأفهمته أن الدخول للفرجة فقط، ومن باب حب الاستطلاع؛ فطريقة العرض جذابة وملفتة للنظر؛ فوافقها على أن لا تبدي إعجابها بأي من المعروض بصوت مسموع أو تشير لأي منها؛ حتى لا يقعا في شباك الباعة المتمرسين؛ فقبلت.
وبينما هما أمام إحدى الفاترينات؛ لكزته بكوعها قائلة: “انظر.. انظر كم رائع هذا الحذاء! وبمجرد ما انهت عبارتها هذه التى كانت بمثابة كلمة السر التي تفوه بها (علي بابا) أمام المغارة؛ فانفتحت وإذا بأحد العاملين يتوسطهما -كأنما انشقت الأرض وخرج منها هذا الجني أو عفريت مصباح علاء الدين- وأخذ يشيد بذوق المدام قائلا:
– “والله إن ذوق حضرتك راق يا مدام, هذا النوع من الأحذية تنتجه شركة عالمية وتنتج عددًا محدودًا على مستوى العالم، ويتم الحجز قبل تصنيعه ونحن اشترينا منه مائة (زوج أحذية) هذا العام ونحن نبيعه للمشاهير والفنانين، والنبي يا باشا تشتريه وما تكسف المدام, كفاية أنه على ذوقها الراقي والعالي, وعلى فكرة ده آخر زوج أحذية لدينا من هذه النوعية وعلشان أنت محظوظ عليه تخفيض 60%”.
وقام بتقديم ألبوم صور يحوي صورًا لبعض الأشخاص الذين يرتدون هذا الحذاء من مشاهير لا يعرف أحدًا منهم, ثم طلب منه أن يجربه؛ ارتداه صاحبنا؛ فطلب منه الموظف أن يصعد على منصة أمام مِرْآة كبيرة، وفجأة ظهر مجموعة من الموظفين الذين قاموا بالتقاط الصور لصاحبنا بأكثر من وضع؛ جالسًا وواضعًا رجل على رجل، وواقفًا وبجواره المدام ممسكة بيدها العلامة التجارية للحذاء، وبعد ذلك هنأه فريق العمل بأن صورهم ستضم للألبوم.
فسألهم صاحبنا إذا كان نجيب محفوظ ولا أحمد زويل ولا الدكتور مجدي يعقوب اشتروا مثل هذا الحذاء من قبل.
فسأله أحدهم: “ومن هؤلاء؟”. فأجابه بأنهم مجموعة من المشاهير والأدباء والعلما؛ فضحك الرجل بصوت عالٍ وقال: “يا باشا الناس دي أديها كتب قديمة تقرأها من على سور الأزبكية ولا مجلات محدش يفهمها, وأيش عرفهم بالشياكة”.
وانتهى الحوار بإتمام الصفقة والتي تمثل 40% من ثمن الحذاء وتمثل ما يتقاضاه صاحبنا في عدة أشهر، وبالرغم من ذلك فإن صاحبنا حمد الله كثيرًا؛ لأن المبلغ الذي بالفيزا غطى ثمن الحذاء, وشكر البائع وشكر قرينته على ذوقها واستلم الحذاء الذي تم تغليفه بفن وأناقة, وضحك بينه وبين نفسه عندما تذكر أنه كان يشعر بسخافة الإعلان الذى يقول (راحة الجسم تبدأ من القدمين)، وقال لنفسه من الأفضل أن يكون الإعلان (راحة القلب والسعادة الزوجية تبدأ بحذاء مثل هذا).
ولما وصلا إلى مقر إقامتهما قالت له: “أرجو أن لا يصيبك الكدر بسبب هذا الحذاء؛ لأنه باهظ الثمن”.
فقال لها: “بالعكس.. إنني سعدت به كثيرًا؛ لأنه على ذوقك, وأوحى إليَّ بأن أعمل عملية شد وش وأصبغ شعري وألبس كاجوال وبنطلون مقطعة أوصاله؛ حتى يتماشى ما أرتديه مع (النيو لوك) ولكن في نفس الوقت أشعر بالأسى والشفقة على هذا الحذاء الرقيق، فهو صنع للأقدام الناعمة للمرور على السجادة الحمراء وليس للسير في الطرقات، وأتوقع أنني مجرد ما أرتديه؛ سيصرخ ويستغيث بالمارة من العذاب الذي يعانيه من خشونة أقدامي، وفظاظة الطرقات وأحس أن علاقتي به لن تستمر طويلًا، هى مجرد مرة واحدة أخرج به وأعود حافيًا حاملًا أياه وهو يعاني من جراح عميقة مزقته وأحدثت به إصابات جسيمة.. عمومًا سأخرج به وأجلس على المقهى واضعًا رجل على رجل وأتمنى أن يتعرف على أصدقائي بهذا (البيرستيج الجديد).
فأدركت ما يرمي إليه بسخريته اللاذعة، ولكنها أجابت بسرعة بديهة قائلة: “فشر.. حاشا لله أن يحدث ذلك؛ فأنت قامة وقيمة وأنت الذي تُكسب ما ترتديه قيمة، ألم يكن المهاتما العظيم غاندي حافيًا؟ والدكتور العالمي السير مجدى يعقوب، ألم يكن عظيمًا وهو يرتدي هذا الحذاء البسيط أثناء تسلمه جائزة لإبداعه في أحد المؤتمرات؟.. وقد كان وسيظل مثالًا للإعجاب والاحترام من كل الناس على مختلف توجهاتهم، وكذلك الراحل العظيم ذلك الطبيب الذي لقب بطبيب الغلابة الذي كرمه مجموعة من زملائه وتلاميذه، وكان كل منهم يرتدي بدلة على أحدث صيحة وزراير قمصانهم وكرفتاتهم والساعات الذهبية التي يرتدونها تلمع وتبرق وبالرغم من ذلك فإنه مجرد ظهوره ببساطته ظهر مثل القمر المتلألأ بين نجوم خافتة”.
فصاح صاحبنا: “مرحى.. مرحى, دا إحنا بقينا أدباء وشعراء.. أيه ده كله؟”.
فردت ضاحكة: “من عاشر القوم يا أستاذ.. أنت فاكر أنني لا أقرأ، إننس أقرأ ما تقرأه وما تكتبه، خاصة عن تلك الملهمة المجهولة التي تريد أن تخدعني وتخدع من يقرأ لك بأنها السيجارة والتي تسيطر على جل كتاباتك.. أما أنا فإنك تتحاشى أن تصرح باسمي فأنا لست بلقيس ولا رادوبيس ولا بايتريس ولا أي منهن”.
فرد عليها قائلا: “لا غرابة في ثورتك هذه فأخوة يوسف ألقوا به في غياهب الجب لمجرد حلم سرده، قد يكون وهمًا لا يتحقق وإن تحقق فلهم فيه عظيم الفائدة، فلا تكوني منهم، ولتعلمي أنك كل النساء وكل الأسماء”.
وهنا رن هاتفها فانقطع الحوار وحمد الله أن الهاتف ساعده على الابتعاد عن البركان قبل أن تنطلق حممه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خالص شكري وتقديري لكم أيها الأعزاء وأتمنى لكم حياة سعيدة.
عبده مرقص عبد الملاك سلامة
تدقيق لغوي/ شيماء جابر