المقال الثالث حول كتاب في الشعر الجاهلي
المقال الثالث حول كتاب في الشعر الجاهلي لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين
طبق العميد منهج الشك الديكارتي بموضوعيته وعقليته المحضة على الشعر الجاهلي وهذا ماذكره في الكتاب حول أسلوب تطبيق المنهج الديكارتي فقال :
(ولنستقبل هذا الأدب وتاريخه فقد برأنا أنفسنا من كل ماقيل فيها من قبل وخلصنا من كل هذه الأغلال الكثيرة الثقيلة التي تأخذ أيدينا وأرجلنا ورؤوسنا فتحول بيننا وبين الحركة الجسيمة الحرة.
وتحول بيننا وبين الحركة العقليه الحرة أيضا.)
سنذكر بعض من النصوص الشائكة التي ذكرها العميد حين طبق هذا المنهج الديكارتي على الأدب العربي القديم.
*للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنها أيضا، ولكن ورود هذين الإسمين في التوراة والقرآن لايكفيان لإثباتهم تاريخيا، فضلا عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها.
ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة. وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخري. وأقدم عصر يمكن أن تكون قد نشأت فيه هذه الفكرة إنما هو هذا العصر الذي أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلا د العربية ويبثون فيه المستعمرات. فنحن نعلم أن حروبا عنيفة نشبت بين هؤلاء المستعمرين وبين بلاد العرب الذين كانوا يقيمون في هذه البلاد،
وإنتهت بشئ من المسالمة والملاينة ونوع من المحالفة والمهادنة.
*كل مايروي عن عاد وثمود وطسم وجديس وجرهم والعماليق موضوع لا أصل له.
وكل ما يروي عن تبع وحمير وشعراء اليمن في العصور القديمة وأخبار الكهان، وما يتصل بسيل العرم وتفرق العرب بعده موضوع لا أصل له.
*مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلامس في القرآن لا في الشعر الجاهلي.
*الكثرة المطلقه مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شئ. وإنما هي منتحلة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم أكثر مما تمثل الجاهلية.
لفهم تلك النصوص بموضوعية لابد أن نفرق بين أمرين
الأمر الأول الخاص بالشعر
نجد هنا طه حسين قد وصل إلى حقيقة علمية لا غبار عليها. وهي أن الكثرة المطلقة من الشعر الجاهلي منحولة والباقي من الشعر الجاهلي نادر. وله أدلته العلمية والتي منها أن الشعر الذي يسمى جاهلي يعبر عن حياة العرب بعد الإسلام. وأنه لم توجد قصائد يذكر فيها الحياة الجاهلية وعن ألهتهم الذين دفعوا أرواحهم فداءا لإيمانهم بها في الغزوات مع الرسول الكريم. وأنه لم يثبت الأثاريون أي نقوش مدون عليها هذا الشعر الجاهلي القديم.
بالإضافة إلى ضعف الرواة مثل حماد الراوية وخلف الأحمر وثبوت مخالفتهم حقائق التقصي والتحقيق في الرواية عن الشعراء كما ثبته من قبل بن سلام الجمحي.
الأمر الثاني الخاص بالقصص القرآني
وهو الأمر الشائك الذي أقام الدنيا ولم يقعدها حتى الأن. ويفهم من سياق طرح العميد في هذا الشأن أنه يرمي بأن هذا القصص هو محض مجاز عن قيمة دينية لا وجود لها تاريخيا. هذا لو أحسننا الظن بفكر العميد. بأنه يدعو العقل العربي بأن يتجه للعلوم التطبيقية كعلم الأثار والجولوجيا لإثبات حقيقة سيدنا إبراهيم وإسماعيل تاريخية. وكذلك عاد وثمود. فهو في أول النص لم ينكر الحقيقة الدينية ولكن رمي إلى أن الحقيقة الدينية غير كافية لإثبات الحقيقة التاريخية لإقناع العقل الغربي.
أما لو أسأنا الظن بما قاله العميد. فلا مجال للشك في أنه يرمي بكلامه إلى التشكيك في القصص القرآني. وهذا ما هاجمه عليه الأصوليين الإسلاميين.
أما إذا تناولنا طرح الدكتور بطريقة موضوعية سنجد التناقضات الكثيرة في الطرح
وهذا ما سنقوم بطرحه في المقال القادم إن شاء الله