دهاليز المنطق تكتبها رنين دراغمة .
كانوا ثلاثة رغم اختلافهم جمعتهم صداقة متينة لا تقدر عليها الظروف مهما بلغت من البؤس والحرمان والفشل، يجتمعون كل ليلة في إحدى المقاهي في الحي، منذ الطفولة لم يفترقوا أبدا، لكن نهاية هذه الصداقة لم يتوقعها أحد لأنهم كانوا نموذج يحتذى به لكل الناس، لكن كيف جن عديم، وكيف انتحر عابث ،وكيف أصبح وحيداً وجدي ..
فوقع الحوار بينهم في تلك الليلة التي شهدت الصراع الأخير الذي أهدتهم إياه عقولهم. . .
دائما الناس يلقون اللوم على الحياة، وأقدارها ،وينسون أن اختياراتهم هي التي أطاحت بهم بل هم أنفسهم الذين وضعوا سلامهم تحت المقصلة، قرارات الناس الخاطئة الغير منطقية الظالمة للنفس العابدة للظلم هي التي حتما ستقودهم للويل المنغمس بقطرات العذاب والدم لا مرئي. . .
_ وجدي:
مالي أراكم هكذا عقولكم تعبث بكم راكضون وراء التفاصيل ،وما وراء العدم أيضاً تصدحون بهلوسات بلا معنى تتخبطون في ظلام السذاجة تتركون المنطق ،وتتشبثون بالوهم أنا لا أستطيع أن أكون مثل كل الناس، ومثلكم، بل على الناس أن يكونوا مثلي لأنني ،وبكل بساطة أبني لنفسي وجهات النظر الخاصة بي وحدي أنا دون أن أكون منساقا كالبهائم بلا إدراك ،وبصيرة، أحلل ،وأبرر ،وأتأمل حتى انطق بما أراه حق ،وصواب نحن لم نخلق على هذه الأرض لنكون اتباع بل وجب علينا أن نصنع مبادئنا بأنفسنا دامت الفضيلة هي عنوانها. . .
_ عابث:
قل لي… ها قل لي وما فائدة كل ذلك أنت تريد فقط أن تبدو بمظهر العالم والفيلسوف المفكر الناصح الأمين تدعي الحكمة وأنت قمة في الغباء. . أضحكتني حقا. . .! !
_ عديم:
دعه يا رجل هو لا يدرك معنى الألم الذي نحس فيه ولا يفهم معنى أن يجد الإنسان نفسه على هذا الكوكب وسط هذه الفوضى المجنونة الراقصة على جثث عقولنا التي أورثونا إياها أجدادنا. . لا يدرك معنى أن تملك عقلا خرب صدأ بلا عنوان محدد أو هدف منطقي تعيش لأجله، لا يدرك حجم القهر الذي أعيشه حين أرى الناس يقتلون بعضهم البعض باسم الحروب، والدين ،والتحرير ..صوت بكاء ذلك الطفل قبل أن يموت حين أصابته رصاصة عابرة أرادت قتل أباه. . هو يعلم جيداً أني أتكلم عن أبي، وأخي الصغير الذين ذهبوا وليس لي سواهم حين لحقتهم أمي حزنا فماتت. . . .
_ وجدي:
وما فائدة كل ذلك ها..!!! ما الفائدة أن اركض وراء المجهول ،وأخسر صحتي النفسية، والجسدية ،وحتى العقلية أنا هنا في هذه الأرض لأجل أن أعيش إنسانيتي وأكسب اللحظات السعيدة دون أن أدفع ضريبة ذلك بشكل مبالغ فيه إنسان حر له صفاته ،وأخلاقه ،ومبادئ ،وأهداف ،ومعتقدات يستلذ فيها بكل حب، نحن موجودون إذا نحن يجب أن نعيش ومن رحلوا لقد رحلوا وسنلحق بهم يوما ما؛ إنها سنة الحياة وقاعدة الحياة ,والموت. .
_ عديم:
لا أرى حكمة من كل ذلك الموت, والحياة، ولا أحب أن أعيش وسط فراغ وخواء بلا معنى أنت ,وكل البشر وهذا الكون بلا فائدة لم أعد أحتمل الكفاح أكثر في هذه الحياة أدرس ..أعمل ..أفكر ..افرح أحزن.. اصرخ ..اصمت.. أتزوج أنجب أطفالا؛ بربك قل لي ما نهاية كل ذلك وماذا سأجني من كل هذا !!؟
أنا إلى الفناء كما جئت بلا قيمة مجرد من كل هذه القيود التي تريد منا الحياة. والأعراف ,والديانات ,والعادات ,والتقاليد أن تلقي بها علينا، وثم أيضاً وجب أن أكون ذا ثقافة ودين وعلم وفضائل. . . . تبا لكل ذلك أراه مجرد وهم وخيال لا يوجد حقائق على هذه الأرض إنما هي مجرد ترهات.. سفسطة تلعب بنا ,وتسخر منا. . كل شيء باطل كل شيء كل شيء. . . .
_ عابث:
أريد فقط أن أعلم ما معنى كل ذلك وإن علمت كيف أستطيع أن أحقق كل هذا الكم الهائل من الأهداف؟ أنتم تعلمون إني شخصا ملتزم دينيا روحانيا حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أجد الخلاص من هذا الصراع لكن ها أنا أجد نفسي ملقى في الهاوية بعدما بذلت جهداً عظيماً للوصول للاستقرار في حياتي, وعملت ليل نهار دون توقف فقط لأرضي والدي وأتزوج من حبيبتي التي طالما رأيت وجودها في حياتي هو المعنى الحقيقي للحياة. لكن أبي قد مات وهي تزوجت ,وأمي متوفاة منذ الصغر حقا ما فائدة كل هذا الألم لا أرى سببا واحداً يجعلني أحيا في هذا العالم كل البشر منافقون كل البشر قساة كل الناس مزيفون كل حقيقة وهم ,وكل القيم ساذجة؛ جل همي الآن هو أن أنتهي. . أن أكون أنا المجهول الذي أبحث عنه أريد أن احلق عنده أخاطبه واسأله من أنت. .
الأديبة رنين دراغمة .