شاعر إشبيلية
تسلَّيْتُ عن مُوسَى بحبِّ محمدٍ هُدِيتُ ولولا اللهُ ما كنتُ أَهْتَدِي
وما عن قِلًى قد كان ذاك، وإنَّما شريعةُ مُوسى عُطِّلَتْ بِمُحمَّدِ
موعدنا اليوم مع شاعر “إشبيلية” من الشعراء الذين تركوا بصمة في تاريخنا المجيد، كتب التاريخ اسمه بحروف من لؤلؤ مكنون، واشتهر بلقب “ابن سهل الأندلسي”، وُلد بمدينة إِشْبِيلِيَة في سنة ٦٠٩ من الهجرة، وهو مِن شعراء بني (هُودٍ) ذلك العصْر الذي اعتبر مِن أَزْهى عصور الحضارة في بلاد الأندلس.
عاش في نهايات عصورِ العرب في الأندلس، ورغم أن الدولة كانت تذهب نحو النهاية، إلَّا أنَّ الشعرَ مع هذا كان على حالِه من الرُّقِيِّ، والناسُ كما هم يُمَجِّدون الشُّعراءَ، ويُكْبِرونهم؛ لأنَّ بلاد الأندلس لم تَمُتْ بداءِ الشَّيْخوخة، بلِ اهتُصِرَتْ فَتِيَّةً، فكانتْ أيامُها الأَخيرةُ أيامَ عزِّ اللغة وفتوَّتِها، ونموِّ الأدب والنهوض بالشِّعْر، والتفنُّن في أسالِيبِه، وفي وسَط هذا البحْرِ الزَّاخِر بالعُلَماء، العامِر بالشُّعراء والأُدباء، برزَ ابنُ سهلٍ وتلألأ نجمُه في سماء الأدب حتى سُمِّيَ: شاعرَ إِشْبِيلِيَة، ووشَّاحَها.
كان يهوديًّا تغَلْغَلَتِ اليهوديةُ في نفسِه حتى علَّلوا رِقَّةَ شعرِه باجتماعِ ذُلِّ العِشْق وذُلِّ اليهودية فيه ، ثم أَسْلَم وقرأ القرآنَ، وعاشَرَ المسلِمين، ومدحَ النبيَّ ﷺ بقصيدةٍ طويلةٍ، واستدلُّوا على إسلامِه بقوله:
تسلَّيْتُ عن مُوسَى بحبِّ محمدٍ هُدِيتُ ولولا اللهُ ما كنتُ أَهْتَدِي
وما عن قِلًى قد كان ذاك، وإنَّما شريعةُ مُوسى عُطِّلَتْ بِمُحمَّدِ
دائمًا ماكان يتحدث في غزلِه وكلِّ شعْرِه عن شخص يدعى “مُوسى”.
ربما أرادَ به مُوسى كليمَ الله، عليه السلام، وربما كان يقصد غلامٌ يهوديٌّ، ومِن هؤلاء القائلين أثير الدين بن حيَّان؛ فقد قال: «أكثرُ شعرِه في صبيٍّ يهوديٍّ كان يهواه.» ومما قال فيه:
أَصْبُو إلى قِصَصِ الكَلِيمِ وقولِهِ قصدًا لذِكْرِكَ عندَها وتعرُضَا
أبطلَ موسى السِّحْرَ فيما مضى وجاء موسى اليومَ بالسِّحْرِ
فموساه هذا إمَّا هو معشوقٌ صحيح بهذا الاسم، وإمَّا شخصية اتَخِذَها سِتارًا لمعشوقٍ آخَر، وقد تكون داعيًا من دواعي الشعر تغنَّى بها..
قيل أنه مات غريقًا في سنة ٦٤٩، وكان عُمرُه ٤٠ سنة.
محمود حامد