- صعاليك ولكن ..
_______________
من آن لأخر تصك آذاننا كلمات يكون لبعضها دلالة معينة او مرادف ذهنى يأخذ بهذه الكلمات بعيدا عن حقيقتها وجوهر معناها وبما يخل بالمعنى اللغوى المقصود والدال عليها.
من هذه الكلمات كلمة صعلوك التى تستخدم كثيرا للإساءة الى آحاد الناس وللإيحاء بالوضاعة والخسة وصفات أخرى ليست لها.
ولو مررنا سريعا على معاجم اللغة العربية لوجدنا للكلمة معان كثيرة ياتى على رأسها ان الصعلوك هو الفقير الذى لا يملك شيئا وفى كتاب “العصر الجاهلي ” للمفكر والكاتب “الدكتور شوقى ضيف ” شرح لمعنى صعلوك وهو الفقير الذى لا يملك المال الذى يساعده على العيش وتحمل أعباء الحياة وان الكلمة تجاوزت المعنى اللغوى وأخذت معانى أخرى كقطاع الطرق الذين يقومون بعمليات السلب والنهب.
وبالرجوع ثانية الى المعاجم نجد ان اضداد الكلمة هى ثرى غنى متمول ميسر وان مرادفاتها بائس عوز فقير معدم مما يؤكد ان المعنى يميل الى ما توصل اليه الدكتور ضيف.
وكما جاء فى حاشية “موسوعة الشعر العربى ” ان الصعلوك فى اللغة العربية هو الفقير ويطلق على كل فرد نبذته قبيلته واسقطت عنه حمايتها فلا تجيره اذا ما ظُلم ولا تثأر لدمه إذا ما قتل ولقد ظهرت فئات من الصعاليك فى المجتمع الجاهلى خارجة عن التقاليد والعادات المرعية بين القبائل ولا يعرف تاريخيا بالضبط الوقت الذى انتشرت فيه هذه الظاهرة.
ومن فئات الصعاليك كان هناك الشعراء الصعاليك الذين عاشوا حياة بائسة ولكنهم أثروا الشعر بما نظموا منه
وقد ارتبط تاريخ الشعر العربى بالعصر الجاهلي و استمد منه اصوله وقواعده وتجاربه وغلبت عليه ثقافة هذا العصر فكان للصعاليك دور مهم فى هذا فلقد ارتبط شعرهم بالعفوية والتلقائية واستمد من تجارب الحياة اليومية مادة له مما ساعد فى اعطاء صورة عن الحضارة العربية الاولى ونقل للأجيال التالية مالم يكن ممكنا الا عن طريقه
واذا كان الصعلوك هو طريد القبيلة فإن الشاعر الصعلوك كان رمزا للحرية خارج الاطار القبلي وموروثاته التى كانت تسّوى بين الناس فى الفقر والظلم والمهانة ولا تسوى بينهم فى القيمة والاكتفاء والكرامة ويحق ان يطلق عليه ثائر الصحراء الممتدة والفكر المتحرر من التقاليد البالية
ولم يكن كل صعلوك شاعرا ولكن الشعراء الصعاليك كانوا فئة لا يمكن تجاهلها فى تجربة الشعر الجاهلي ومنهم من كان فارسا شجاعا ومنهم من عاش عيشة الذل والمهانة ولكن كظاهرة لا يمكن اغفالها او اهمال تأثيرها
عاش مطاريد القبائل او الصعاليك فى الفيافى المترامية والجبال واعتمدوا فى عيشهم على الإغارة على رحلات الحج والتجارة وكذلك القبائل تارة راجلين واخرى على أفراسهم يعتمدون على قواهم البدنية ومهاراتهم القتالية وقدراتهم الذاتية ولأن قيم العدل والكرامة كانت محركة لهم فكانوا يأخذون من الغنى ويعطون الفقير.
وكان من اهم الشعراء الصعاليك ” ثابت بن أوس الأزدى ” الملقب بالشنفرى تميز بالجرأة والشجاعة والدهاء وكان من أشهر عدائي العرب حتى ليقال أعدى من الشنفرى .
وله قصة طريفة انه تربى فى بنى سلامان من بنى فهم ، أسروه صغيرا فلما كبر وأدرك ما حدث معه أقسم ان يقتل منهم مائة رجل وظل فى هجماته على القبائل ينهب ويقتل ووصل عدد من قتلهم من قبيلته الى تسع وتسعون رجلا حتى كانت ليلته الأخيرة وتمكنت منه القبيلة فقتله رجل منها اراد تحقيره ميتا فرفسه برجله على جمجمته فدخلت شظية فى قدمه ومات على إثرها فكان القتيل رقم مائة.
اما لامية العرب فهي قصيدة مطولة اشتهر بها الشنفرى ليس لطولها ولكن لأنها نقلت الخصائص الفنية واللغوية لشعر الشنفرى ولشعر الصعاليك وتعتبر من افضل نماذج الشعر الجاهلى ومنها:
أقيمـوا بنـي أمِّـي ، صُـدُورَ مَطِيِّكـم
فإنـي ، إلـى قـومٍ سِواكـم لأمـيـلُ
فقـد حُمَّـتِ الحاجـاتُ ، والليـلُ مقمـرٌ
وشُـدَّت ، لِطيـاتٍ ، مطايـا وأرحُــلُ
وفي الأرض مَنْأىً ، للكريم ، عـن الأذى
وفيهـا ، لمـن خـاف القِلـى ، مُتعـزَّلُ
شاعر صعلوك آخر أشتهر عنه الشجاعة وكان يُغير على القبائل فى الليل والنهار وحيداً غالباً.
وكان سريع العدو حتى قيل فيه أعدى ذى رجلين ، وذى ساقين وذى عينين.
هو ” ثابت بن جابر بن سفيان الفهمى ” ولُقب تأبط شراً لأن أمه رأته فى مرة وهو يخرج حاملا سيفه فقالت لمن سألها عنه لا أدرى تأبط شراً وخرج. وفى رواية أخرى أن أمه لامته على تقصيره وقالت له كل اخوتك يأتينى اذا راح بشىء غيرك فقال لها سآتيك الليلة بشىء وصاد افاعى كثيرة من أكبر ما قدر عليه وأتى بهن فى جراب متأبطاً به فألقاه بين يديها ففتحته فخرجت الأفاعى وشاعت فى البيت فخرجت أمه فلما سألتها نساء الحى عما آتاها به ثابت قالت اتانى بأفاعى فى جراب فقلن وكيف حملها ؟ قالت تأبطها فقلن لقد تأبط شراً فلزمته.
هذا وامتاز شعره بالواقعية والنزعة التصويرية للطبيعة وكفارس نزع ايضا الى التحدى والميل الى القوة كغيره من شعراء الصعاليك.
نموذج لشعره
قصيدة : إذا لاقيت
إذَا لاَقَيْتَ يَوْم الصِّدْقِ فَارْبَعْ
عَلَيْكَ وَلاَ يَهُمُّكَ يَوْمُ سَوِّ
عَلَى أنِّي بِسَرْحِ بَنِي مُرَادٍ
شَجَوْتُهُمْ سِبَاقاً أي شَجْوِ
وَآخَرُ مِثْلُهُ لاَ عَيْبَ فِيهِ
بَصَرْتُ بِهِ لِيَوْمٍ غَيْرِ زَوّ
خَفضْتُ بِسَاحَةٍ تَجْرِي عَلَيْنَا
أَبَارِيقَ الْكَرَامَةِ يَوْمَ لَهْوِ
هذه تتمة اطلالة سريعة على بعض شعراء الصعاليك من العصر الجاهلى بها من الطرافة بأكثر من النظرة التحليلية او البحثية لهذا المحيط الهادر من الشعر.