نوع من النساء
قصة قصيرة
بقلم الأديب الشاعر / عبده مرقص عبد الملاك سلامة
رفرفت السعادة على عشهما منذ أن أقترنا بعد قصة حب شدت بها الأفآق ، و ظلا يرفلان فيها و ينهلان من كؤوسها المترعات فنهر سعادتهما لم ينضب ،و لم تفلح تقلبات الدهر و لا منغصات الحياة فى تبديل حالهما ،حتى أصبحت قصتهما مجالاً للتندر،و أثمر بستان حبهما و حباهما الله بطفلين متعة للناظرين ،و سارت سفينة الحب تتهادى فى بحر الحياة و إذا بأمواجه تتلاطم أثر عاصفة عاتية جعلت السفينة تجنح و ينجم عنا فقدان مساعد الربان فقد رحلت رفيقة العمر فى ليلة ليلاء ،لم تشرق بعدها الشمس على هذا العش الجميل الذى تبدل حاله و صار مثاراً للشفقة و الحزن و جثم الهم على صدر ربان السفينة و أصبح محبطاً يائساً ،لا يدرى الى أين يتوجه و لا كيف يدير دفة السفينة ،فقد أصبح مهيض الجناح و لديه طفلان فى الرابعة و الخامسة من عمرهما ،فعانى الأمرين و لم يستطع أن يوفق بين عمله و رعاية طفليه اللذين كانا بحاجة ماسة لحضن الأم ،و الطامة الكبرى أن جدتهما لأبيهما متوفية و جدتهما لأمهما طريحة الفراش ،فكان مضطراًلمناشدة الجيران لمساعدته فى تولى رعايتهما أثناء تواجده بالعمل ،و لكن لا يمكن للحال أن يدوم كذلك بالرغم من إهتمام الجيران و شغفهم بالطفلين .
و مضت سنة على هذا الحال كأنها دهر ،و كان كلما نصحه أصدقاؤه بالزواج يرفض بشدة و لكن مع ضغط الحياة و الظروف لانت عريكته ،خاصة بعد أن أشار عليه البعض بالزواج من أرملة عاقر أو لديها طفل و إختمرت الفكرة فى عقله وبعد جهد جهيد و فق للزواج من أرملة لديها طفل ،أصغر من طفليه ،
و تبدل حاله فى ليلة و ضحاها ،فقد عادت البسمة الى شفتيه و أصبح يهتم بمظهره و يقبل على الحياة بكل ما لديه من طاقة ،و سخر كل قدراته لإسعاد عائلته الجديدة و نال الطفل اليتيم من إهتمامه مثل إبنيه و لاحظ أن زوجته تفعل مثلما هو يفعل ،فإبنيه سعداء و تقبلا أخيهما الجديد بحب و حنان ،و إحقاقاً للحق فقد كان ذلك بفضل زوجته .
مرت سنتان على الزواج و أثمر ذلك عن طفل لتكلل الحياة به سعادتهما و لتقوى الروابط التى تحولت من عشرة الى حب جارف .
و ذات مرة تقابل صاحبنا مع أصدقائه و تطرق الحديث الى حال زواجه و زوجته ،فأجابهم قائلاً:” إنه لو بحث فى الهند و السند عن زوجة مثلها فلن يجد ،و أطنب فى ذكر مناقبها و طيب خصالها و كيف إنها نشرت الحب بين الأولاد و و و إنها تؤثر إبنيه على إبنها ، و لما سئل كيف يكون ذلك ،أجاب :” الدليل على ذلك أنها تصنع فطيرتين و تعطى واحدة لكل إبن من إبنيه ثم تطلب منهما أن يعطيا جزءاً لأخيهما ، فيقبل الأبنان وعن طيب خاطر . و كذلك الفاكهة و غيرها
و هنا علق أحد الخبثاء من أصدقائه ساخراً :” يا لها من إمرأة !”
فأجابه:” أنا أدرك ما ترمى إليه ،إنك تريد أن تقول أن بالطبع كل إبن من أبنائى سعطى أخيه النصف و بهذا فأن أخيهما سيحصل على فطيرة كاملة و هما سيحصل كلاً منهما على نصف فطيرة ،يا صديقى لابد من قليل من الظلم لتستمر الحياة و يا حبذا لو كان هذا الظلم مغلفاً بالحب و الرضاء .”
عبده مرقص عبد الملاك سلامة