الأسبوع الثالث
#قرأتلكالفكر_الحر
كتاب أيام شبابي
احسان عبد القدوس (1919 – 1990)
– كتاب مقالات مجمعه كتبها الاستاذ احسان عبد القدوس في شبابه..
” و كنت أدهش عندما أراجع ما تجمع و دهشتي تنبض بالفرحة كأنني أري صورتي و أنا صغير و لكني ام أكن صغيرا بالنسبة لنفسي , فـكل الافكار التي سجلتها في هذا العمر البعيد لم تتغير بعد أن وصلت إلي العمر الذي أنا فيه – عمر الستين – و ليس معني ذلك أنني لم أتطور! لا , و لكن أفكاري ولدت معي و هي ترفض الاستسلام للواقع متطلعة إلي المستقبل , ترفض القديم و ترفض التقيد بالتقاليد و ترفض الخوف الاجتماعي , لذلك … فمهما طال الأمد عليها فهي لا تزال أفكارا جديدة.”
هكذا بدأ الكتاب بمقدمة جميلة , فأنا أحب دائما مقدمات الكتب و أحب قراءتها فهي بمثابة خارطة طريق للقارئ و ما ميز هذه المقدمة أن المؤلف نفسه هو من وضعها و هذه مزية بالنسبة لي علي الاقل.
من خلال المقالات الكثيرة المجمعه في هذا الكتاب – أكتر من 45 موضوعا – يعالج الكاتب القضايا التي كانت تحتل تفكيره في تلك الفتره , فتراها – المقالات – متنوعه و تعالج جوانب كثيرة .., اجتماعيه , سياسية , فنية , ثقافية , فلسفية و دينية في بعض الاحيان . يطرح من خلالها الكاتب وجهة نظره و ميوله الشخصية و افكاره لتقديم حلول او معالجات أو طريقة عرض و القاء ضوء علي تلك المشكلات التي تمس حياة كل المواطنين في تلك الفترة. و كذلك لأن احسان عبد القدوس نفسه قد وضع لنفسه منهجا و فلسفة خاصة به عن باقي كتاب جيله فهو يقول أن الادب عنده لا ينتمي لأي مدارس و لا يخضع لاي دراسه او بحث علمي, الادب عنده فن بحت, له أساس واحد , هذا الاساس هو الانسانيه نفسها. أن يكون أدب انساني صادق , أن يعرض الانسان علي حقيقته بكل ما فيه من خير و شر دون أن يفرض الفن نفسه قاضيا علي شئ معين او ينحاز للخير علي حساب الشر أو العكس.
ما قد يدهش القارئ هو حرية الكاتب في عرض و تقديم افكاره دون تردد أو مواربه أو رقيب, و كل ذلك طبعا مغلفا بأسلوب الاستاذ احسان عبد القدوس الهادئ و الممتع و البسيط و السهل سواء سردا أو مضمونا .. ولكن إن بحثنا قليلا في الأمر لوجدناه أمرا اعتياديا لكل كتاب هذه الفتره من الزمن تقريبا, فقد كانت الكتابة نفسها حرة أو شبه حرة قبل أن يتحول المجتمع بعد الثورة – ثورة يوليو – و ما تلاها من تغيرات جذرية في الشخصيه المصريه علي المستوي السياسي او الاقتصادي او الديني خاصة بعد السماح للتيار الوهابي و التيار السلفي بالتوغل في الحياة اليوميه للمصريين. فكان احسان عبد القدوس – و الجيل الذي سبقه – يكتب متأثرا بهذه الروح الطليقه و الليبراليه و زاد احسان عبد القدوس عن أدباء جيله بميزة أخري و هي بيئته عائلته و تربيته الثقافيه بامتياز, فهو ابن السيدة روز اليوسف !
استطاع احسان عبد القدوس منذ وقت مبكر و يظهر ذلك في هذه المقالات المبكره التي كتبها أن يعري ازدواجية المجتمع و أن يظهر أنه مجتمع – النقيض – فهو ينادي بعكس ما يفعل و يفعل عكس ما يظهره. و نادي احسان عبد القدوس أيضا بالتجديد علي كافة الاصعده و في كل ما يمس حياة المواطن خاصة الناحيه الدينيه و السياسيه. فيقدم دعوه للتجديد و اشراك كل فئات الشعب في الحياة السياسيه .. و يقول أن كل طبيب أو مهندس أو ممتهن أي مهنة لن يقوم بدوره علي الوجه الاكمل و المأمول إلا اذا كان عنده الوعي السياسي الذي يؤهله لمعرفة ما يدور حوله و المشاركه الفاعله فيه. و كذلك نادي بفهم جديد للفقه الديني بما يناسب العصر الذي يحياه المجتمع.
يمتيز الكتاب كما قلنا بأسلوب عبد القدوس الصحفي لفظا و سردا بشكل عام و هو اسلوب سهل يصل لكل القراء. و هناك العديد من المقالات و ما يمكن اعتباره قصص قصيره , سيجد كل قارئ نفسه أو ما يجذب انتباهه إليه.
مما راق لي – مقال شبه جزيرة سيناء – يعد بمثابة قصة قصيره فلسفية رائعة –
و أيضا مقال آخر بعنوان (المحامي و المجرم)
قد يكون كتبه بهذه المباشرة و الهجوم الحاد نظرا لانه في الاصل كان محاميا ..
فطرح عبد القدوس العلاقة الثلاثية بين المحامي و المجرم و القانون. و التي تحولت إلي مافيا في كثير من الاحيان باستغلال فئة من المحامين غير الشرفاء ثغرات القانون و الاجراءات النيابيه ليجلبوا أحكاما بالبراءه لمتهمين و مجرمين مع علم المحامي أنه يبرأ ساحة مجرم يستحق العقاب و ذلك نظير أتعاب محاماه باهظة .. دون تحقيق عدالة يعلم كل من المحامي و المجرم أنها عدالة مسروقة. و يطالب نقابة المحامين بوضع حدود واضحه لتقاليد مهنة المحاماة حفاظا علي سمعة و كرامة المهنة.
بعض الاقتباسات من الكتاب :
– ” المجتمع يتدخل في عواطف الافراد و يحددها و ينظمها, تماما كما يتدخل المجتمع الاشتراكي في نشاط أصحاب رؤوس الاموال , و يتجه بهذا النشاط اتجاها يحقق الصالح العام.”
– ” ستكون الاله هي المسيطره, ستكون أقوي من الانسان و سيكون للانسان اخلاق الآلة و طبائع الآلة….”
– ” كلما كنت بسيطا بدوت معقدا في نظر الناس, و يوم أن تكون معقدا سابدو بسيطا.”
– ” و اننا نردد عدة شعارات دون أن يكون لها معني محدد في أذهاننا, مثل الحرية و الرخاء و الشخصية المستقلة و القوميه العربيه ..إلخ. كلها شعارات نؤمن بها و نبني بها حاضرنا و مستقبلنا دون أن نحدد معناها , و عدم التحديد يجعلها تقع في أيد ملوثة تستطيع أن تضللنا بها و تستعملها ضدنا.”
كتاب خفيف لا بأس به و الاسلوب بسيط و واضح دون أي تعقيد
تقييم بكل حيادية جيد أو دون الجيد مقارنة بأعمال أخري لنفس الكاتب.
لأمانة العرض … (رأيي الشخصي في الكاتب لمجمل أعماله أحتفظ به لنفسي )
و لكنه ان لم أكن قد قرأت له بالفعل تقريبا كل شئ, فهو ليس كاتبي الذي أود أن أقرأ له أي شئ!
#Garrahi