الرزق والسعى !
ماأعظم تحاور العلماء والأئمة فبحوارهم يدرك المرء مالا يمكنه إدراكه بعقله المفرد ويسيح به فى عالم الفكر وتسمو عنده ملكة التدبر وإعمال العقل.
وهاهو الإمام الشافعي يجلس إلى أستاذه الإمام مالك ويدور الحوار حول رزق الإنسان فيقول الشافعى أن الرزق يحتاج إلى السعى بينما يخالفه أستاذه بمقولة أن الرزق يأتى بلا سعى وظل كل منهما على رأيه وانصرفا بلا اتفاق.
ماذا فعل الشافعى قام بالعمل الشاق لمدة يوم وأخذ عنه أجرا وفى طريقه وجد من يبيع تمرا فأشترى وذهب بجزء منه فى طبق إلى أستاذه مالك فأكل منه وقال الشافعى ألم أقل لك أن الرزق يحتاج الى السعى فرد مالك وهاهو يأتينى بلا سعى وانتهى الحوار ولم يصلنا مابعده.
أليست مسألة تحتاج الى التدبر والتفكير و إعمال العقل فقد احتاج الشافعى للعمل ليثبت مقولته وقد كان وإن كان هذا لا ينفى مقولة مالك وأن التمر الذى وصل الى مالك بلا سعى لا يؤكد صحة مقولته بأن الرزق آت آت وبلا سعى وأنه لكى يثبت صحة مقولته يحتاج أن يمتنع الناس كافة عن العمل والسعى ليروا كيف سيأتيهم رزقهم وهذا مخالف لسنن الحياة.
وسيقول قائل أن مريم البتول كان يأتيها رزقها بلا سعى (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا) ولكن هذا اصطفاء إلهى خاص وليس لعموم البشر وما كان المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو اعظم البشر عانى واصحابه بشعب ابى طالب جوعا وعطشا لو ان الرزق يأتى بلا سعى وكان بقائهم على قيد الحياة لسعى من تعاطف معهم من اهل مكة وكان هذا درسا بليغا واختبارا لصحة العقيدة والثبات على التوحيد وماكان اختبارا للضعف الانسانى امام احتياجات الحياة والا فالرسول هو اولى الناس برزق يأتيه من السماء.
ان السماء لا تمطر فضة ولا ذهبا والسعى مطلوب مطلوب والاخذ بالاسباب طريق الوصول .
فلننفض عن كاهلنا مقولات التوكل والتواكل ولنجتهد ونعمل ونخلص النية لله حتى يبارك لنا .
د.ابراهيم محمد ابراهيم