في تمام الساعة الخامسة صباحا فتحت عيونها فهي لم تك نائمة، كانت تغمض عينيها فقط وعقلها يسبح في بحور أفكارها، الأيام تمر دون جدوى، أمسكت هاتفها لتتصفح رسائلها، ثم ذهبت إلى الحمام وخلعت عنها ملابسها ووقفت تحت مياه تتساقط فوق رأسها وجسدها وكأنها شظايا زجاج مكسور تتناثر فوقها، ربما كانت تحاول أن تستعيد وعيها فهي لم تغرق في النوم منذ يومين وربما لتتطهر من جنابة أفكارها ، فالأفكار كوحوش وذئاب تنهش في عقلها وتؤرقها
توضأت وصلت ثم أعدت قهوة سادة وفتحت هاتفها الخلوي لا جديد اليوم أيضا
كل شيء حولها صامت ولكن الضجيج بداخلها يقتلها
أعدت طبق من الكعك والبسكوت ووضعته أمامها فربما تتذوق منه واحدة ولكنها لا تشعر بالجوع
المعدة فارغة كقلبها والذي يشعر بالجوع حقا هو ذئاب مشاعرها بداخلها
أرتدت عباءة جديدة وصبغت خصيلات شعرها البيضاء ووضعت القليل من الكحل لتخفي هالاتها السوداء ويجملها فهي تعتقد أن الكحل يحل محل بريق عينيها الذي فقدته خلال سهرها كل ليلة
وضعت أحمر شفاه وظلت تحدث نفسها في المرآة و هي تتأمل خطوط الزمن في وجهها وكيف نقشت؟!، فهي مازالت تخاف جدا أن يغير الزمن ملامحها ويطمسها
عدو النساء هو الزمن كما الجميع يعلم
تتحسس جسدها ووجهها بحسرة وألم
ثم تمسك بالهاتف وتتصفحه لعله يخفف عنها
ترسل للجميع رسائل تهنئة بمناسبة حلول العيد ولا تنتظر الرد من أحد
تارة تصمت وتارة تبكي
لا أعلم ما بها؟!
تفتش في قنوات التلفاز عن ضحكة لتخفي خلفها وجعها
تمسك هاتفها مرات ومرات ولا تضاء شاشته إلا عندما تمسك به
لا أحد يتذكرها
حسنا لا يهم …الجميع بخير إلا أنا (هكذا تخبر نفسها)
الوقت يهرب من نوافذ عمرها وكأن الهواء يحمله ويساعده على الهرب منها
الساعة الخامسة عصرا لا جديد
تعد وجبة الغداء لفردين ربما يأتي من يوانسها ويأكل معها
أرز وسلطة خضراء و أربع قطع دجاج وبطاطس و لعل اليوم لا يكون مصيرها القمامة ككل يوم فهي مازالت تفتقد شهيتها
لا أحد يسأل عنها
مازال الصمت يؤنس وحدتها ولا رفيق لها سواه
لا أحد يطرق أبوابها الموصدة دائما
تمسك هاتفها ولا أعلم لِمَ تمسك به هكذا؟!
فهو لا يحرك ساكن
لا يرن ولا يضيء، هو فقط قطعة مصنوعة من الحديد موجودة معها وبجوارها وربما يأتي اليوم وتعلقه بسلسلة حول عنقها
الإنتظار وحش يلتهم عمرها وجسدها وهي لا تشعر، فهي مازالت تحت تأثير مخدر الصبر
الساعة العاشرة مساءا ولا جديد
الوقت يمر من بين أصابع عمرها كالماء، هي تعتقد أنها تمسك به جيدا وتصدم حينما تفتح كفيها
تمسك الهاتف مرارا وتكرارا ولو كان له لسان ينطق لكان صرخ في وجهها وقال: لن يتصل بكِ أحدا أبدا
صمت
دقات الساعة مخيفة جدا في ليل الوحدة
ضجيج عقلها ودقات الساعة يتنازعان أمامها وقلبها يحتضر بداخلها
لا جديد
الساعة الثانية عشر إلا بضع ثوان فربما تصلها الرسالة التي مازال تنتظرها لتحيي نبض قلبها وتنقذه من الموت
تعد الثواني وتعد نبضات قلبها و تعد ما تبقى من دقاته
الساعة الآن الثانية عشر منتصف الليل
الهاتف لم ولن يرن
جرس الباب لم يرن
دقات الساعة توقفت هنيهة
دقات قلبها تباطئت
ضغط الدم ينخفض
ثم تعود الساعة للدروان مرة أخرى وصوت دقاتها يعلو فتعود للحياة مرة أخرى
ليست الساعة فقط بل كل شيء حولها يعود للحياة مرة أخرى إلا هي … فهي تعود أشلاء….قلبها ملفوف بكفن الصبر ويتوارى في قبور الإنتظار….. وعقلها أسير خلف أسوار سجون الإنتظار
فحينما تحلم بليلة عيدها الذي لم يأت بعد؛ يتجرع عقلها مرارة الصبر لتتحمل أفكارها جلد الأيام لها
هي مازالت تنتظر لتعود لها روح الحياة وتحياها معه هو فقط.