علاء جابر يكتب
- سمنود بعد العصر الفرعوني ( البطالمة و مانيتون السمنودي)
انتهى العصر الفرعوني, وسقطت مصر في يد الفرس وانتهى دور (سمنود) كآخر عاصمة فرعونية لمصر , و لكن لم تنته قصتها بعد
فـبعد مرور 11 عاما على حكم الفرس و احتلالهم لمصر و هروب اخر ملوك الفراعنة ( نختنبو الثاني ) من العاصمة سمنود الي صعيد مصر, جاء الاسكندر الأكبر و انتزع مصر من الفرس و قام الساتراب الفارسي(لقب حاكم المقاطعه في الدوله الفارسيه) بتسليمه مصر كولاية من ولاياته والذي بدوره ضمها لمملكته الكبرى التى غزت العالم ..
قام الاسكندر الاكبر ببناء الاسكندرية كعاصمة جديدة لمصر ,بل كأكبر عاصمة له في المملكة المقدونية .و مع موته المفاجئ في بابل – العراق – وهو في عمر الاثنين و الثلاثين تم تقسيم امبراطورية الاسكندر الى ولايات مقدونية و أصبحت مصر ولاية من هذه الولايات تحت لواء أحد قادته ( بطليموس ). لكنه بطمعه و غدره إنقلب على الاغريق وقتل كبارهم و قادتهم و حول مصر من ولاية مقدونية الى مملكة هو ملكها الأوحد.
و بدأ بطليموس فترة حكمه و لذلك أطلق على تلك الفترة (عصر البطالمة) نسبة الى بطليموس الاول. ثم تبعه في الحكم ابنه بطليموس الثاني الذي اهتم بديانات المصريين وكانت (سمنود) حينئذ قد عادت إلى صفتها الاولي من عاصمة مصر الى عاصمة الاقليم الثاني عشر في الوجه البحري (بالمصطلح الحالي كانت عاصمة محافظة _ مثل طنطا عاصمة الغربية ) و لكنها حافظت على رونقها كمدينة كانت يوما عاصمة القطر كله. فـأقام لها البطالمه انشاءات جديدة و قاموا بالمشاركة في بناء المعبد الفرعوني العظيم الذي كاد أن يكتمل بناؤه في وقت الملك السمنودي (نخت انبو الثاني) بـــقريــة (بهبيت الحجارة) لكن مع زوال حكمه لم تكتمل نقوش الجدران, فأكملها ملوك البطالمة و أضافوا توسعات في بناء المعبد الذي لاتزال آثاره موجوده إلي الآن.
و مع ولادة المؤرخ المصري الشهير ( مانيتون ) كانت سمنود على موعد جديد مع التاريخ . مانيتون العظيم الملقب بــ ( أبو التاريخ (و هو اول من كتب تاريخ مصر و قسم العصر الفرعوني الى ثلاثين أسرة و من بعده بدأت فكرة التسجيل و التأريخ.
نشأ مانيتون على الجانب الشرقي لنهر النيل المقابل للمدينة بقرية (ميت جناح) بالمسمي القديم والتي هي (منية سمنود) الان. كانت (منية سمنود) القرية المصرية القديمة التي يسكنها البسطاء و عامة الشعب و الفلاحين و كان يغلب على طابعها الهدوء و الحياة الريفية الجميلة , أما النبلاء و الاغنياء و علية القوم فهم سكان المدينة المليئة بالصخب و النشاط علي الجانب الغربي من النيل. و هكذا أثر هدوء القرية و طبيعتها الجميلة في تكوين نشأة مانيتون المفكرة و المتأملة , فكانت تشغله الكتابات و النقوش و القراءة و البرديات و لذلك كان دائما يتطلع لغرب النيل – و للغرب شأن كبير في الديانة المصرية القديمة – ولذلك سرعان ما رحل إليه قبل سن البلوغ مع كاهنه و مربيه.
انتقل (مانيتون) الي سمنود فبدأ يعلو شأنه في الحكمة و الادب و الكتابه وأصبح كاهن ديني , و وصل بعلمه الى أن أصبح كاهن معبد (برحبيت) الفرعوني بـ(بهبيت الحجارة) و هو المعبد الرئيسي لأقاليم الوجه البحري الذي قام ملوك البطالمة بالمشاركة في بناءه كما أشرت من قبل.
و علي الجانب الاخر و في الاسكندرية عاصمة الدولة البطلمية كانت مكتبة الاسكندرية في ذروة مجدها كـمنارة العالم العلمية و الفكرية .
وقبل حوالي 280 عاما قبل ميلاد المسيح عيسى عليه السلام , أراد بطليموس الثاني أن يوثق حضارة مصر العظيمة , فقد كان شديد الولع والاعجاب بعظمة كل ما هو موجود على ارضها. فكلف بطليموس الثاني ( مانيتون السمنودي ) الذي سطع نجمه و زادت شهرته, بكتابة تاريخ مصر القديمة .أفنى مانيتون الكثير من السنوات والجهد و جمع الوثائق و النقوش والبرديات التي كانت تحتفظ بها معابد مصر الدينية و الوثائق الحكومية حتى خرج بكتاب- Aegyptiaca) تاريخ مصر ) باللغة اليونانية , وثق فيه عصر ما قبل التاريخ (عصر ماقبل الاسرات). وقسم العصر الفرعوني إلي ثلاثين أسرة, ذكر فيه اسماء ملوك مصر من – الملك مينا- حتى – نخت نبو الثاني – آخر ملوك سمنود , كل ذلك تم بالترتيب الزمني للأسماء والأحداث والتفاصيل الدينية , فـوثق حوالي ثلاثة آلاف عام من عمر مصر, واصبح كتابه مصدر رئيسي لعهود ملوك مصر القديمة حتى يومنا هذا بل ويتخذه الدارسون مرجعاً لهم . و تمت ترجمة الكتاب للغات مختلفة لكن للاسف فقدت النسخة الأصلية من تاريخ مانيتون أثناء حريق مكتبة الإسكندرية الشهير .. و في هذه الأثناء عاشت سمنود فترة ذهبية أخري في عصر البطالمة مثلما عاشتها و هي عاصمة فرعونية و كانت بطلة لصفحة أخري من صفحات تاريخ مصر العظيم.
بالتوفيق الدائم علاء باشا، و في انتظار التالي دائما
إعجابإعجاب
كلام جميل وسرد حلو لتاريخ
إعجابإعجاب
بالتوفيق ليك دايما ياحبيبي واشوفك من أحسن الناس
إعجابإعجاب