فنيات الاقتباس المهاري في مسرحية “سيدتي الجميلة”. بقلم/ د. إيمان الزيات – عضو اتحاد كتاب مصر


فنيات الاقتباس المهاري في مسرحية “سيدتي الجميلة”.

بقلم/ د. إيمان الزيات – عضو اتحاد كتاب مصر

ربما لتميز فكرة النص الأدبي الأصلي، وربما لشهرته ونجاحه؛ قد تبدو فكرة الاقتباسات ساعتها فكرة جاذبة وتجربة فنية مغرية، وكثيراً ما اقتبس المسرح المصري أفكاره الناجحة من نصوص المسرح العالمي خاصة تلك التي تحمل سمة إنسانية عمومية كفكرة “العدالة الاجتماعية”، ولكن المعضلة تكون دوماً في كيفية تعريب واقتباس النص اقتباساً احترافياً مائزاً، تتمظهر فيه البصمة العربية بصورة متسقة مع ثقافة وعادات المنطقة، حيث يعد الاقتباس فناً موازياً لفن كتابة النص الأصلي بهذه اللمحات، وهذا ما نفتقده حالياً وما دعاني إلى الإشارة والتبئير إلى نوعية واحترافية الاقتباس المنشود في مسرحية «سيدتي الجميلة» كنموذج أشاد به كبار النقاد.

قُدّمت مسرحية «سيدتي الجميلة» عام 1956 على مسرح «برودواى» ثم عرضت بعدها في أكثر من ولاية، وقام ببطولتها تشارلز شوجانسي وجلوري كرامبتون وأخرجها جلن كاسال.

وهي إحدى الروائع التي ألفها جورج برنارد شو، واقتبس النص المصري منها كلا من بهجت قمر وسمير خفاجي، وقام ببطولتها فؤاد المهندس وشويكار، وظهرت فيها بصمات المخرج “حسن عبدالسلام” الذي يعد أحد أعمدة المسرح الغنائي والاستعراضي في المسرح المصري والعربي.

كما أتاحت إضافة بهجت قمر لمشهدين مصريين خالصين فرصة ظهور مجموعة إمكانات فنية غير عادية لأبطال تلك المسرحية التي تحولت من التراجيديا والرومانسية إلى الكوميديا في نسختها المصرية الراسخة في أذهان أجيال متعاقبة من المشاهدين الذين يرددون حواراتها المميزة إلى الآن، حيث منحاها بعداً مختلفاً، وكانا نقطة تفوق للمسرحية في مجملها على العرض الأميركي، الأول كان مشهد الحارة التي تسكنها «صدفة» حيث أبرز الإمكانات الهائلة للفنان الراحل جمال إسماعيل، والثاني مشهد «بروفيسور الإتيكيت»، الذي تفوق فيه في الأداء سيد زيان وفاروق فلوكس.

وتتجلى “عبقرية المدلول والمعادل الموضوعي في اختيار كتاب النسخة المصرية لأسماء الأبطال عند تمصيرهم للنص المسرحي؛ حيث أصبح اسم البطلة ” صدفة بعضشي” إشارة إلى الصُدفة النادرة التي جمعت ابنة الطبقة المعدمة/ طبقة البروليتاريا بكمال بك الطاروطي الأرستقراطي، والتي لا تتعدى مكانتها (بعض شئ) وليست شيئاً كاملاً يذكر في مفهوم طبقة الصفوة أو الطبقة الأرستقراطية .

ويسمي البطل باسم “كمال بك الطاروطي” دلالة على صفة الكمال بمفهوم طبقته ومن منظورها.

ويمنح الحاكم لقب “أفندينا”، والصديق “حسن” إشارة إلى حسن النية والمقصد في سريرته رغم أفعاله الحمقاء.

كما تتجلى “المقابلة في الاسكتشات الغنائية ” للطبقتين، كما حدث في استعراض “اديني شوية حظ” الذي اتسم ببساطة اللحن وسهولة الأداء والذي أظهر إمكانات غير عادية للفنان جمال اسماعيل، وتقول كلماته:
” اديني شوية حظ
وارميني ولو في البحر
ومدام المسألة حظ
البحر هيصبح بر
اديني شوية حظ
اتجوز بنت بنوت
عندها فدادين وبيوت
اورثهم لما تموت
اديني شوية حظ
ولا شغله ولا شغالانه
والحظ يجيب الحظ
والإنس كمان آه يانا
اديني شوية حظ
وأنا كنت أصبح مملوك
اشخط في العالم شخط
وانسى ان انا ايه “صعلوك”
اديني شوية حظ
واتفضل عيش بشطارتي
منا صاحب مقدرة عظمى
إنما بردك يا خسارتي”

تعكس الكلمات نظرة الطبقة المعدمة إلى الطبقة الأرستقراطية التي حصلت على مكانتها بالحظ من دون تعب أو جهد وبدون سعي يذكر، فترى أن ما تحصل عليه أفراد تلك الطبقة المعدمة يكون عادة بفضل مواهبها العظيمة التي تمكنها من شق طريقها في الحياة بصعوبة بالغة، تلك المواهب التي يود أفراد تلك الطبقة مقايضتها بحظ الطبقة الأرستقراطية المنعّمة عديمة المواهب.

كلمات اسكتش “يا لالا للي أمان”
حظرتنا.. حظرتنا
ولا بنخبي ولا بنداري
احنا من الطبقة العليوي
بعد حضورنا بأمر خديوي
أمرنا نلعب رهن حصان
شو شو جزال يا لالالللي أمان
نكسب.. نخسر ليس مهم
اصل حضورنا وبس أهم

لغة النص الغنائي غير نقية ولا مخلصة كالناطقين بها للغة العربية أو اللهجة الشعبية السائدة ، مفرداتها متعالية، ودالة على عدم اكتراث أبناء تلك الطبقة بإخفاء حالها لأن الآخرين غير مرئيين بالنسبة لهم، وسبب حضورهم هو الخضوع والانصياع التام “لولي النعم” الذي تعيش تلك الطبقة في كنفه وتحت مظلة عطاياه ويعدون له كلمات الإجلال والتعظيم كتلك التي كان كمال بك يدرب صدفة عليها في المقطع الشهير..
” انت القلب الكبير
أنت نعمة وإحسان
بحكمتم تختال علينا
وأنت مرآة حضارتنا”

وكيف تتحور هذه الكلمات على لسان” صدفة” بسخرية لاذعة في هذا المشهد الاحترافي إلى:
“انت الكلب الكبير
أنت نعجة وحصان
بحكمتك تحتال علينا… الخ”

هذا ولا ننسى مسرحة المكان في النسخة المصرية حيث الحارة المصرية الضيقة التي تعيش بها” صدفة بعضشي” بجوار عم لالو صاحب معمل “الطرشي” ، والمجذوب، والقهوجي، وصاحب الخمارة، وصبيان ابيها ونساء الحارة، و السائق، بينما يعيش كمال بك في قصره الواسع المكون من طابقين بين الخدم والمساعدين، ويتنقل بين بيوت طبقته وقصور أفندينا.

وما أشرت إليه هنا من ملامح روعة النص ما هو إلا جزء من كل في النسخة المصرية التي نود أن نري كثيراً من المقتبسات الاحترافية مثلها في شتى الفنون.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.