بسمة
يقولون أن لكل شخص نصيب من أسمه
فهل حقا لكل منا نصيب من أسمه؟!
صديقتي بسمة، لطالما كنت أنظر لها وهي تضحك وأتعجب من
اعوجاج أسنانها الأمامية الصفراء والعالق بها بعض فتات الطعام
ملامحها الغليظة، كبر حجم شفتيها، جحوظ عينيها وكثافة شعر حاجبيها
ورغم هذا كله كانت ابتسامتها ساحرة
كنت دائما أنظر لها و كنت أتمنى لو أضحك ربع ضحكاتها الصافية الخالية من الهموم
فتاة بسيطة، غير مدللة، من أسرة متوسطة ولونها قمحي
في المرحلة الإعدادية ظهرت علامات البلوغ عندها أولا
كبر صدرها، انحناء خصرها ورغم ملامحها الغليظة كانت لا تهذب شعر الحاجبين
بعدما انهينا المرحلة الثانوية افترقنا
ولكن كنت دائما أقوم بزيارتها واطمئن عليها وربما كنت أزور ابتسامتها التي لم تشرق في وجهي قط
تبادلنا الزيارات والجميع يعلم أنها صديقتي المفضلة والمقربة إلي
عشر سنوات مضت ولا أعلم كيف مضت؟! ولكنني دائما كنت أسأل عنها كلما قابلت أخيها الأكبر صدفة
كيف حال بسمة؟!
وفي هدوء وتؤدة يقول لي:- كما هي دائما مبتسمة
فيطمئن قلبي عليها
انقطعت الزيارات بيننا وقل الحديث شيئا فشيئا رغم كثر وسائل التواصل الإجتماعي والهواتف الأرضية والخلوية
سنوات وسنوات تنساب كما تنساب قطرات الماء من بين أصابعنا، وتحت عجلة الزمن تُهرس أرواحنا وتُسرق منا أحلامنا، هي كما هي دائما مبتسمة وأنا كما أنا أتمنى ولو بسمة واحدة فقط
كلما مررت أمام بيتها تذكرتها ولكن لا أدري ما كان يمنعني من السؤال عنها أو رن جرس الباب لتفتح لي وأرى ابتسامتها؟!
مرت السنوات بكل مرارتها وانقطعت أخبارها عني وذات يوم وجدت نفسي أمام مفاجأة جدا قاسية
أدهشني وجود امرأة أربعينية تجلس أمام بيتها
نفس الملامح الغليظة، البسمة وصرخاتها توقظ كل العالم، ثم تتحدث إلى نفسها وكأنها ترى أشخاصا أمامها ثم تضحك، تتعرى؛ يقهقه الأطفال من تصرفاتها
اقتربت منها، وتعتريني حالة من الذهول، حاولت سترها وأنا أردد:-
كيف سلبها الزمن عقلها رغم ابتسامتها الساحرة؟!
عانقتها بكل دفء، وبكيت
كنت أود لو أن استطيع انقاذها
وهي في أحضاني صفعني سؤالها:- من أنتِ؟!
قلت لها:- أنا أمل، ألم تتذكريني؟!
ابتسمت كعادتها وقالت بصوت مبطن بالدموع:- آه، الأمل مبتور الساقين والذي لم يزروني قط ولن يزورني
انسحبت في صمت وأنا أتحاشى النظر إليها
وفوجئت بصوت منكسر يأتي من خلفي كما لو أنه قرأ أفكاري وقال:- أنها الوحدة
ألتفت إليه فوجدت أخيها يغلق الباب ويواري سوءاتها
فقلت في نفسي:- أهذا هو نهاية المطاف؟! لقد غرقت بسمة في جمود الحياة؛ فقدت عقلها وهذه ليست مجرد مصادفة، ربما القدر يهيؤني للحياة القاسية وأشعر بالنفور من الوحدة.
في بعض الأحيان ، تكون متطابقة. في بعض الأحيان ، يكون الأمر عكس ذلك
إعجابإعجاب