نهاد كراره تكتب العمر لحظة


نهاد كراره تكتب العمر لحظة

عزيزي الذي بت أجهله أتعلم شيء، هذا العام أشعر بالامتنان أكثر لليالي الحظر الطويلة الوحيدة التي مرت؛ ربما اعتدت عليها؛ وربما لأنها العام السابق كانت أطول وأكثر إحكامًا على أعناقنا، لكنني هذا العام أتقبلها
أصبحت أزين جدرانها بالكتب وأغرق بين السطور، أتنقل بين الصفحات كراقصات الباليه كأنني أسمع موسيقى للكلمات فتطربني، أما الكتب السيئة فتصدح نشازًا يعكر مزاجي فأقفل الغلاف وألقيه على امتداد ذراعي، سقف حجرتي الذي يقطن فيه صديقي الخيالي الذي مل من يأسي وحزني وبكائي العام الماضي، أصبح يسقط كلمات على رأسي، فأكتب.. أكتب.. أكتب دون هدف، ربما أشعر بأن العمر قد قارب على الانتهاء، فأسكب كل ما بي من كلمات وأتركها عني للذكرى قبل أن أرحل، لكن خيالاتي تدهشني أحيانًا، من أين تبرز لي فجأة ومين أين يأتي الأبطال، والمشاعر كلها، ومن كل هؤلاء الذين أكتب عنهم ولأين ستصل بي!
عزيزي..
لم أعد أهتم برأي الآخرين عني أو أخشى تفسير كلماتي على نحو خاطئ، بل أنني أصبحت أترك لهم كلمات محيرة وقصصًا خياليه وأمزجها بروحي لأشتتهم وابتسم لحيرتهم وتساؤلاتهم هل تلك القصص أنتَ أم خيالك لم أعد أفسر نفسي، منذ السابعة عشر وهي تفسر خطأ، وحينها كنت أهتم بالتعليل والتبرير، تبرير ما لا يبرر، تبرير خيالي الحي، ففي عقلي دومًا قصة تريد أن تسكب على الأوراق.
كنت أحزن حينما أتهم بالشخصنة، لكنني الآن لا أبال، شخصنوا الأمور كما تحبون فهو قصور في عقولكم ونقص فيكم ليس بي، ألقوا عليَّ ألف قصة تفتعلونها بأنفسكم ثم تلصقون بها اسمي، تهامسوا على محبين خياليين لا أعرفهم، ورجال خارج عالمي، حتى حينما أكتب عن السماء تظنون القمر يقطن بمنزلي، أما قلبي الوحيد الحزين فهو يريد المكوث وحيدًا طالما في الوحدة هدوء فاتركوني لكلماتي وخيالاتي ووهمي الجميل، اتركوني لقصص تولد بعقلي وأكملها، حبيبًا خياليًا يقتحم عالمي فأرسمه، حياة جميلة أو بائسة أبنيها وألونها كيفما أشاء، نجمًا يأفل وآخر يولد داخل حدود حجرتي التي لا أخرج منها، تركت لكم غباء التفسير ولي متعة نقش الكلمات.
أتذكر في الخامسة عشر كنت أكتب وأخبئ دفاتري كي لا يقتلني حاكم المدينة متهمًا إياي بالفساد، لم يفهمني أحد قط، قالوا جنت أو أذنبت بالعشق لكنني فقط كنت أشحذ خيالي استعدادًا للانطلاق.
في الحادي والعشرون من العمر ظننت أنني قد كبرت جدًا صنعت لنفسي كعكتي ووضعت شمعتي على شكل 21 وتساءلت إلى متى سأحيا؟
كنت مفعمة بالأمل والحلم، في ذاك العام لم يتذكر عيد ميلادي أحد، فرسمت لوحة من بكاء تركتها للذكرى.
في الثلاثون من عمري طلبت ممن حولي الهدايا وأصررت على قالب الحلوى، كان عام الإعصار كنت مفعمة بالأمل أيضًا أن الغد أفضل، لكنني لم أشعر بالسعادة لاستمرار الصراعات أعوامًا بعدها حتى أضاعت لي عمري، فتوقفت متسائلة ألم تكتب لي السعادة أبدا؟
أحقا كتبت من الأشقياء حين مولدي!
في عامي الأربعون انتظرت شيئًا ما لا أعلمه، لكنني فقدت الأمل في الحياة ذاك الأمل الذي كان يملئني من قبل لكن لم يتذكرني أحد أيضًا، ربما البعض منحني اتصالًا هاتفيًا على سبيل الواجب أو الذوقيات الإنسانية، أما في الخمسون فقد أيقنت بتسرب العمر من بين أصابعي دون فائدة، وحينما قلبت صفحات الستون أخرج لي العمر لسانه ساخرًا بقوله ها أنتِ لم تحققي شيء ولم تجن سوى الألم، لمَ حدث ذلك أو لمَ سيحدث وأنا التي دوما لا أنسى، أهتم بالجميع، ولا يتذكر تفاصيلي أحد، أعلم أنني أترك الأثر في كل قلب لكنني أبدًا لم يتم الاحتفاء بي كما أفعل للآخرين، لن يصبح غرورًا حينما أعترف أنني أستطيع منح الجميع شعورًا جيدا عن أنفسهم ومنحهم السعادة لكنني لا أستطيع إسعاد نفسي هكذا قالت لي صديقتي يومًا ما وأخبرتني أمي طيلة عمري أن حظي سيء وقلبي صدقها ربما إن لم تقل لكان الوضع أفضل، حينما أفكر الآن أجد العالم غريبا جدا لما لم أحصل على ما قدمته ولم معظم البشر كذلك، لم أكن أفكر بمثل هذا المنطق سابقًا لكنني الآن أريد الحصول على الفرح الذي نثرته للآخرين أريد نصيبي من السعادة التي لم أحصل عليها، لم أُحب كما أحب، لم تقدم لي الهدايا والمفاجئات كما أفعل للآخرين، لم أكن أنتظر شيء أبدًا لكن الآن أريد كل ذلك قبل أن أموت.
كم أتمنى أن تُفعل لي الأشياء كما أقدمها، ودون أن أطلبها
أستطيع أن أفعل كل الأشياء لنفسي لا أنكر.
أستطيع السفر…القفز عبر المجرات، لمس القمر والعودة، أستطيع تلوين الهواء وتشكيل السحب، قلب العالم ونفضه في الفضاء، لكنني بعض الأوقات أشتاق أن يفعل لي شخص ما شيء ما، كأن يناولني كوب من الماء البارد وأنا عطشه، ويخبرني بأن كل شيء سيكون بخير، يمنحني كتفه لتتكئ عليه رأسي المتعبة، وكف ينام فيه كفي المرهق، يحضر لي دوائي إن مرضت مع قبلة تمني الشفاء، يصنع لي شيئا مفرحًا ويهديني باقة زهر وقطعة حلوى
أستطيع كل شيء.
لكن الروح تميل لحلم ما أن يمنحها أحدهم يومًا ما أشياء دون أن تطلب.
هل كثير على جدًا أن أجد مثلما أمنح؟
الآن فقط أريد أن أصمت ويحادثني أحد، أن أبتعد ويقترب البشر، أن أبكي فيمنحني أحدهم منديلًا، أن أتوه ويعثر عليَّ الآخرين.
عزيزي..
أزعجتك بكلماتي الغير مرتبة المليئة بالخيالات عني وعن قصص غير حقيقية، كما اعتدت أن أدسها لكنني رغم كل شيء أعتذر عن تسببي لك بالصداع كما المعتاد، فقط كنت أظن متعتي بالكتابة لك هي متعة تقابلها متعة قراءتك لي أعتذر مرة أخرى فقد نسيت
أنك فقط في خيالي.
حتى أنتَ وهم من صنعي أحادثه ولا يجيب.

الإعلان

4 Comments

  1. قد إقراء لكل كتاب هذا العصر ولكن عندما إقراء لك أستاذتنا أشعر بنسيابية الكلام وترابطه وجذب غريب وربما محاولة للفهم وربما الإعادة للاستيعاب وسوال في نفسي طرحه هل القراءة تمكن الفرد من معرفة نفسه واكتشاف كيانه الداخلي، ومعرفة مشاعر الآخرين والتمييز بينها بهدف إدارتها من أجل حوار إيجابي وفعال مع الآخر، ذلك الحوار الذي يتسم بالجدية.
    ام انها مجرد تهيأت
    كل الاحترام والتقدير لك أستاذتنا المبدعة

    إعجاب

  2. ياريت بجد اللي قدم اقصى ما عنده يحس انه هيلاقي عطاء يدفعه للإستمرار حتى الورد اللي بتشدنا بألوانها وعطرها لو فضلنا نتفرج عليها بس بدون اهتمام تذبل

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.