الكاتب إبراهيم جمال يكتب إلى الناي الممثل بشرًا

إبراهيم جمال
يكتب إلى الناي الممثل بشرًا.
قديمًا.. تولَّد عندي يقين كامل أن الناي هو روح لبشري من طين خاص، أو ربما روح إنسان أتى من تزاوج ملاك عارض طبيعته وعشق بشرًا، للناي عندي قدر خاص ولذا فإنني دومًا اتوسل به في ترانيمي ووحدتي.
إلى الناي الممثل بشرًا.
كتبت قصيدة لعل القدر يرضى بها عني فيهبني موهبة العزف على الناي لأختبر نقاء الحياة فيه.
في حفلة المولوية التي أداوم على حضورها يشد انتباهي دائمًا العجوز الذي يجلس أقصى يساري ممسكًا في يديه الضعيفة كبنيته نايًا يعيد في الروح وأقول لنفسي دائمًا “كيف لهذه اليد الضعيفة أن تستطيع السيطرة على قوة الناي وروحه التائهة”
هذه المرة تحديدًا وجدت إجابة من فيلسوف كندي جلس إلى جواري بعد انتهاء الحفل وتسور محراب صمتي بحديث لم يدم طويلًا قال لي فيه:
– في الماء القطرة تنشئ نهرًا، وفي الطريق خطوة تبدأ رحلة، وفي الناي نفخة تنشئ كونًا.
فلا ريب أن النفخ يكون بداية الكون وبداية العازف في رحلة اكتشافه.
لم يدع لي الفيلسوف فرصة للحديث؛ إذ أنه رحل وترك لي بطاقة هويته، شدهت لما وجدت تصميمها على شكل ناي عتيق ولم أستطع حتى التواصل معه.
أنا أعاني اضطرابًا حقيقيًا في التواصل مع الغرباء أو للصدق لا أستطيع التواصل مع الجميع.
واستثناء هذا يكون في حضرة الناي فقط.
يشهد على هذا حديثي لهذه الفتاة التي كانت منتشيه من موسيقى الحفل فظلت تشتعل انتشاءً واتقادًا مع كل قصيدة تتلى، ومقطوعة تعزف، فأتيتها لأقص عليها سر هذه القصائد.
برقت سعاد.
كان اسمها سعاد قال لي الناي قبل أن تخبرني عن اسمها بعده..
شارت إلي فكنت أول من دعي، إذ أن إشارتها سبقت بإشارة من الناي أنني أستطيع حيازة العالم في هذه اللحظة
ورويدًا رويدًا حادثتها، ورويدًا رويدًا خفت الناي وأنتهى الحفل وأنتهى حديثي اليها بلا أمل في تكراره.
فقط الناي يمنحني الأمل.
إلى الناي الممثل بشرًا، أنا أصادق البشر لأجلك؛ عسى أن أجد في أحدهم سرك الأعظم.
إلى الناي الممثل بشرًا، أنا أجافي الجميع لأكتشف فيك الكون، أنتَ وحدك الذي أهرب به ومنه واليه.
إلى الناي الممثل بشرًا، امنحني الآن سكينة أو صمتًا يليق بوداع الفلسفة، والبشر، وسعاد.
إلى الناي الممثل بشرًا، أنا انتظر منذ خمس سنوات أن تمن عليَّ بمنحة منك فأحوز موهبة اكتشاف عالمك اللامتناهي بنفخات من جسدي الصغير في أعماق.. لأعيش.
تم التدقيق بواسطة نورين محمد.