((على ذراع لُجّة))
كان لي على البحر بيتاً مهترئاً، أغادره كلما عصفت به رياح الحياة، أسير مبتعدا عنه بخطوات غاضبة الوقع، أجرجر غطائي خلفي وأحمل وسادتي كطفل قرر الفرار من المألوف غير المحتمل إلى المأمول.
تتسمع أرضه الناعسة وقع خطواتي المبكرة التي تكشفها في كل مرة خشخشة الاصداف حين أصل إلى الرمال ، وعلى حافة الحلم تطبق الدنيا على ياقتي وتعيدني لبيتها الخَرِب، توبخني وتضربني بعصاها ؛ فأقول لنفسي..
“غدا سأعاود الهرب”.
في ليلة ما نجحت في خداعها، انتبهت الحياة لغيابي بعد فوات الأوان، وقامت الدنيا العجوز على عكازها لتلحق بي فلم تستطع. كنت قد وصلت للبحر بالفعل وبسطت سريري عليه؛ ألقيتُ بجسدي المنهك فوقه، فسكن طائر القلق وكف عن الرفرفة في قفص صدري، رفعت يدي مودعاً الحياة التي تسمرت في مكانها على الشاطئ البعيد بعدما خلعتُ أمامها القشر و اللب ونمتُ مستسلما على ذراع لُجّة كانت تحملني حيناً ثم تسلمني للأخريات، هكذا حتى أصبحت ذلك الكائن الخفيف الذي لطالما حلمت به.
بدا البحر كريما معي، ولكن سرعان ما تحولت الهدهدات إلى رحى كبيرة ادور بين شقيها بلا هوادة، تدوخني وتطحن عظامي وخشب السرير.. افقد القدرة على المقاومة واستسلم حين يضيع طوق الراحة من يدي.
ويغيب عني وعيي لوقت لا أحصيه، أفيق لأجد البحر قد لفظني وأعادني للحياة التي بقيت في انتظاري على الشاطئ، لتطبق على ياقتي، توبخني وتضربني بعصاها؛ وقبل أن أقول لنفسي..
“غداً سأعاود الهرب إلى مكان جديد”.
سمعتها تقول..
لماذا لا تحاول ولو لمرة أن تبقى وتصلح النوافذ..!
د.إيمان الزيات تكتب على ذراع لُجّة

❤🌸🌸
إعجابإعجاب