إسراء البكري تكتب حكاية روح بلا جسد


حكاية روح بلا جسد

يَحكي أحدُهم:
“فِي رحلتي دَاخل القطار اتجهت إلى مِقعدي، لاحظت وُجود وَرقة مَوضوُعة بِوضوح على حَافة المقعد ذو الملمس الجلدي، ربُما يكون صاحبها تاركها عن عمد، وربما تكون سقطت سهوًا بدون قصدٍ منهُ، أخذتها بيدي وجلست وفضولي كاد يقتلني لأعرف ما بداخلها من سطور، فتحت الورقة..
كانت أولى سطورها شخبطات وگأنهُ كُلما أراد أن يكتب تتبعثر حروفه وتتشابك، فيعيد صِياغتها من أول وجديد، إلى أن وصلت إلى رابع سطر..
“كَانت طوال الرحلة صَامتة، تركيز عينيها في اتجاه واحد لا يتغير، كانت كـالتماثيل المتحجرة لدرجة أنني اعتقدت أنها خرساء أو ربما عمياء، أو ربما إنها تمثال، تركت هاتفي من يدي واتجه تركيزي كلهُ معها، كانت تضع السماعات في أذنيها، وكأنها تحاول الهرب من عالمها، ولكنْ عيناها كانت تحكي الكثير والكثير من الألم والمعاناة، بدأت أتأمل في تفاصيلها، إنها جميلة كالأطفال ولكنها تحمل ملامح طفل يتيم مفتقد لحضن أبويه كي يُطَمئنا قلبه من غدر الحياة، أظافر يدها كانت متآكلة لدرجة الانعدام ويغطي مكانهما الجروح ولون الدم المتناثر من كثرة تآكلهما، أما عن شفتيها أعتقد أن رسمتهما قد انعدمت من كثرة تآكلهما، إلى أن أتت تلك اللحظة.. لحظة نزول دموعها فجأة، انهيار لشلال الخذلان، نهر من الألم، واهتزاز قدميها، كأنها تريد أن تخبر العالم برفضها للظلم.
التقطت لها صورتين، أعرف أنه ليس من حقي أن ألتقط صورة لها بدون استئذان، ولكنها تستحق أن تُرسم لها لوحة فنية، لوحة يشاهدها العالم أجمع، لوحة تحت عنوان “روح بلا جسد”.
صورة صامتة ولكنها تتكلم، صورة تحكي عن رحلة ألم، رحلة خذلان، رحلة انكسر فيها القلب، وأصبح صاحبهُ شخصا بلا هدف، شخصا روحهُ انطفأت عندما اشتعلت حتى أصبحت رمادا.. رمادا للأبد”.

الإعلان

1 Comment

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.