رواية/ ظلال مستعمرة
للروائية/ كريمة الشريف
دار النشر / دار البشير
بقلم الكاتبة نهلة الهبيان
أنجح الروايات ما يجعلك تتوحد معها، لكن ماذا عن التي تخطفك إليها من الحرف الأول كأنها السحر !
أحب جدًا تلك الأعمال التي تبحث عن الروح داخل الأنثى، عن الشيء الخفي الذي لا يدرك بالنظر، إنما بالمس! ولا شك أن كل أديب له من أمر الروح تحليقه الخاص، فسماواتها رحبة وفيوضاتها أطياف لا تخبو، وما على المداد إلا الطيران الحر خارج حدود المحابر، أما هنا في ” رواية ظلال مستعمرة” فقد اختارت المبدعة كريمة الشريف، التحليق على ظهور الفيلة لا الطيور، وسلك الطرق الوعرة على أوجه الجبال لا السماء، لتفلسف الروح أكثر من أن تغرد، وتؤصل لمذهب جديد في التحليق، مازلت أراه تحليقا رغم السير المتعثر الذي تشلب منه دماء الروح لا الجسد ..
وبعد:
🔹العنوان .. ظلال مستعمرة، اسم موفق ولا يفهم مغزاه إلا بعد إتمام القراءة، فعلى أولئك الذين يحكمون على الأعمال من خلال العناوين، أن تمتد أيديهم إلى المتن والمطالعة.
🔹الفكرة… رواية تاريخية ذات طابع إنساني، فلسفية من طراز فريد، خاصة أنها اعتمدت على فلسفة الروح وقل من يتقنها فضلا عن أن يجد لنفسه مسالك أخرى غير المطروقة.
🔹️السرد والحوار …حقيقة أهم ما يميز هذا العمل هو فهم الكاتبة وإلمامها بما تكتب عنه، فالسرد عن فترات زمنية فائتة يتطلب وجود هذا الزمن بكافة خلفياته الثقافية وعادات الناس فيه، حتى أسماء الأكل، الأمثال الشعبية التي ظهرت وقتها، كل شيء يخص هذه الفترة لا بد وأن يكون حاضرا في السرد وإلا مات العمل قبل أن يولد، فلا إلى حقيقته انتسب ولا إلى رسالته وصل.
الحوار ساهم جدًا مع السرد، بل أنطق لسانه حين أظهر البعد النفسي والخلفيات الاجتماعية واللهجات بصورة شفافة، فلا أسوار يضربها الكاتب مما يمتلك من لغة تحول بينك وبين مشاركتهم هذه الحوارات والجلسات، بل كنت معهم بطلا جديدًا يقوم بدور المستمع تارة والمحاور تارة أخرى.
🔹️لغة الرواية وقيامتها …اللغة سهلة ومنسابة، دالة ومناسبة لطبيعة العمل وتنقلاته ما بين سرد الراوي للأحداث، والخطابة التي تحتاج إلى إنشائية في الإلقاء، والمناجاة والمنولوج وطغيان الداخل الخفي، وكذلك الزرع الفلسفي في كل ما سبق أو استئثار الأبطال بها في العمل.
الزمن محدد بالتواريخ خلال فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر تحديدا عام ١٩١٨، والمكان معلوم “نجع المستعمرة بصعيد مصر”
🔹️رسالة العمل … قبل قلت أن الرواية الحقة هي الحاضن الأول لأوجاع المجتمعات، والرواية التاريخية تفعل ذلك وبجدارة حين يكرث الروائي قلمه لجعل الحقبة الزمنية المسلط عليها الضوء من خلال عمله نسيجًا لا يبلى، مهما توالت حقب وحقب، حي في أبطال نابضة بالحياة وقتها وملماتها وتجاربها الذاتية وتفاصيلها النفسية، ومن ثم فأنت أمام عمل يحوي عدة رسائل لا واحدة، أولا فكونه عملا تاريخيا فهو يستعرض حياة إحدى القرى فترة الاحتلال كيف كانت، وكيف كان جهادهم ضده، على كافة فئات المجتمع من متعلمين وأميين، نساء ورجالا، وهذه الخلفية التاريخية كانت أرضية العمل أما البناء نفسه فكان في قصة الأبطال “استر ضينا” الفلاحة، الفيلسوفة، الشيخة، العرافة، وغيرها من الألقاب والكولونيل “مستر توم فيليب ” المنتدب من سلطة الاحتلال، صاحب الأحلام التي لا تعرف المستحيل وإن تخلى عن كيوننته الانجليزية ذات الأنفة والاستبداد، وذاب في الطابع المصري، أملا في أن يكون الفرعون البريطاني على الأراضي المصرية، الفرعون الذي يطاع بالحب لا السوط .
🔹️رمزية العمل… يبدو العمل سهلا في تناوله، إيقاعه سريع، محمل بشحنات روحية كثيرة، كلها خاطفة بالفعل، لكن الربط بين الوطن والأرض والعرض والاحتلال، وبين الحب والقلب، الروح والجسد والقدرة تم بحرفية فلسفية ذكية وزاكية، تمتع وتهدش .
ورغم ما حققته من إمتاع إلا أنه على مقام البنية الروائية لم يكن لي مأخذ على العمل إلا أن الأبطال على نفس الدرجة من الفلسفة وإن اختلفت توجهاتهم، وهذا راجع إلى قلم الكاتبة نفسه كونه فلسفي الطابع، وقد اتضح ذلك في مواضع عدة، كان صوت الكاتب فيها هو الظاهر خاصة في استجلاء صراعات النفس ومناجاة الروح وأحاديث الجبل.
وفي الأخير، شكرًا للأديبة على هذه الوجبة اللذيذة، الممتعة التي التهمتها في جلسة واحدة دون أن أشعر،
دوما في رقي وإبداع وفلسفة غنية مع إتقان التوظيف ..! ❤
#ظلال_مستعمرة
#كريمة_الشريف
#دار_البشير
ظلال مستعمرة للروائية/ كريمة الشريف تقرؤها لكم الكاتبة نهلة الهبيان
