كعكة بالسمن والسكر مقال فى قصص يكتبها الشاعر/ عبده مرقص عبدالملاك سلامة

كعكة بالسمن والسكر
مقال فى قصص
بقلم الأديب الشاعر/ عبده مرقص عبدالملاك سلامة

فيما مضى من الزمان كان الناس يعانون الفقر وضنك العيش والحاجة، ولكن تمسكهم بحب الحياة جعلهم يتشبثون بها على أمل أن يكون الغد أفضل، وكانت معظم الأسرة كادحة تسعى للحصول على (لقمة العيش) ومع ذلك فإنهم بالكاد يحصلون على قوت يومهم الذي لم يكن سوى لقيمات من الخبز يقتاتون بها، وكان الأطفال في هذه الأسر بؤساء، فعندما يشتد بهم الجوع فى المساء يطلبون من أمهم الطعام فتجيبهم: حالاً سأعد لكم كعكة بالسمن و السكر، ويظل الأطفال منتظرين حتى يتغلب سلطان النوم عليهم وعلى غريزة الجوع فينامون كل فى مكانه يحلمون بالكعك.
ويحكى أن صديقين كانا يعبران الصحراء، فمرا بمساحة شاسعة من الأرض المنبسطة، فصاح أحدهم: يا سلام لو عندي غنم ملء هذه الأرض.
فسأله الثاني: ماذا ستفعل بها؟
فأجاب الأول: سأصبح من الأغنياء، إذ أننى سأبيع صوفها و لحمها، وسألَ الأولُ: ماذا عنك؟
فأجاب الثاني: إننى أتمنى أن يكون لديّ ذئاب ملء هذا المكان.
فاستغرب الأول وسأله: لمَ؟
فرد عليه: لتأكل أغنامك.
‏وتشاجرا وكل منهما يتهم صديقه بأنه أحمق، وأخيراً اتفقا على أن يحتكما لأول شخص يمر بهما، ولم يمر وقت طويل حتى صادفهما رجلاً عجوزاً راكباً حماراً عليه جرتين مملؤتان بالعسل، فطلبا منه أن يحكم بينهما وحكيا له قصتهما، فما كان منه إلا أن ترجل عن حماره وأمسك بجرتى العسل وسكبهما على الأرض وقال: “إن شاء الله يسيل دمي مثل هذا العسل إنكما لأحمقين.”
والآن أصدقائي الأعزاء أرجو منكم أن تتحلوا بالصبر وتعذروني وتتقبلوا بصدر رحب ترهاتي وأن تقرأوا معي الآتي: ‏أنت مش محتاج إنك تعمل المستحيل علشان تكسب عربية مرسيدس، ‏كل اللى محتاجه إنك تفتح حساب فى بنك الإسكان والتعمير بمبلغ خمسين ألف جنيه.
أنت مش محتاج إنك تعمل المستحيل علشان تكسب عربية مرسيدس، ‏كل اللى محتاجه إنك تفتح حساب فى بنك الإسكان والتعمير بمبلغ خمسين ألف جنيه.
أنت مش محتاج إنك تعمل المستحيل علشان تكسب عربية مرسيدس، ‏كل اللى محتاجه إنك تفتح حساب فى بنك الإسكان والتعمير بمبلغ خمسين ألف جنيه.
…….وهكذا (عرض مستمر الى ما شاء الله)
‏معذرة أصدقائي، لولا أنني أقدر وقتكم كنت واصلت في تكرار الرسالة التى شعرتم بالملل واتهمتمونى بالتفاهة أو بالسذاجة لتكرارها، وليس بغريب أن تمتعضوا، ولكن ما بالكم بي ‏أنا وبعض السذج أمثالي من المعلمين البؤساء الذين أمضينا ساعات نسمعها، حتى ينفد رصيدنا ونشحن من جديد ونعيد الكرة مرة ومرات لعل أحد مسئولي خدمة العملاء ببنك الإسكان والتعمير يتعطف ويرد علينا، لأن نقابة المعلمين حجبت عنا ما نتقاضاه من معاش يصرف كل ثلاث شهور، وهو ليس بالمبلغ الهين الذى يمكن التغاضى عنه أو الاستغناء عنه، فالدفعة الواحدة التى تصرف كل ثلاث شهور ممكن تقلب موازين الأمور، وتجعلنا نأكل كعك بالسمن والسكر ونحقق بها أحلام أسرنا فى تغطية مصروفات المدارس و شراء بعض الكماليات، وربما نقتطع جزءاً لقضاء بعض الوقت فى منتجع سياحى، أي نعم، فالمبلغ ثلاثمائة جنيه فى الثلاث شهور، النقابة اختزلت منه ثلاث شهور وبنك الإسكان منح البعض معاش ثلاث شهور وضن على البعض الآخر، فعندما نضع الفيزا في (ماكينة الصرف) تأتينا رسالة بأن البطاقة غير صالحة أو تم استنفاد مرات الدخول، وردود أخرى ‏أي مهانة هذه وأي احتقار لآدميتنا وشيخوختنا؟ ‏لماذا تصر النقابة على التعامل مع بنك الإسكان الذي لا يوجد سوى فرع واحد منه فى كل محافظة، ولك أن تتخيل بأنك تعتقد أن تحل مشكلتك عن طريق الذهاب إليه، فتقوم بشد الرحال من أقصى المحافظة وتتوجه للبنك، والذي يتكرم عليك بمقابلة موظف خدمة العملاء بعد أن يبلغ بك اليأس مبلغه من الانتظار، وتنفرج أساريرك عند الوقوف أمامه تستجدى فإذا به يعود بك للنقطة صفر بأن يطلب منك الاتصال برقم 19995 الذي هو خدمة العملاء، والذي يسمعنا ذلك المقتطف الذى أوردته، ونظل ننتظر الكعكة حتى ينفد كارت الشحن، ونعيد الكرة لنصبح مثل الرجل العجوز صاحب العسل، ولو تصفحتم صفحة معاشات المعلمين ستجدون مئات يصرخون ويستنجدون ولا مجيب.
هل هذا جزاء المعلم؟ و هل هذا رد الجميل؟
خالص شكري و تقديري لكل من تجلد وصبر وقرأ هذا المقال.
‏تحياتي
عبده مرقص عبد الملاك سلامة