نهاد كراره تكتب (ورد) الجزء الأول
الآن سأصبح أفضل من كل يوم، ومن أي شخص كان.. سأصير أقوى وأعلو فوق كل القائلين إنني قد كسرت إلى الأبد..
نظراتهم الحمقاء لي تنقش في الروح سردابًا من ألم، لا أستطيع الفكاك منه أبدًا..
كلماتهم القاتلة جعلتني أتمنى أن أغلق على ذاتي مكعبًا معتمًا، لا أرى من داخله فردًا.. ولا يلمح لي أحد طرفًا.. الآن أنا وحدي تمامًا بلا بشر، وسأصير أفضل.. وحين يأتيني سأنتصر عليه، سيحترق كمدًا إن رآني قوية أعلم.
لا بد أن يحدث ذلك الآن.. وإلا لن يحدث أبدًا وسأظل أسيرته إلى الأبد..
لا بد أن أصبح أقوى، لكن كيف سيحدث ذلك؟؟ وهو حين ينظر إلى حدقتي لا أعلم من أنا ومن هو؟!
ينشق الزمن عن زمن لا وجود له.. ويقتلعني من المكان إلى مكان لا حدود له.. أطير وأهبط، أسبح وأغرق، كل الأشياء وعكسها تحتلني.
يمتزج بي، يختلط بدمائي بسرعة شديدة كمغناطيس هائل ينجذب إليه المعدن في ثوان.
يُشَكِّلُ تاريخ آخر لي غير الذي عايشته على هذه الأرض القاحلة.. يريني ما لم أره… صحيح أنه يعذبني في حضوره وغيابه.. لكني لا أملك القدرة على طرده خارج بوابات حياتي بعد.
رباه…
كيف يحدث هذا الاندماج في ثوان؟؟!!
وكيف أتحول من الخوف الشديد والموت رعبًا منه، إلى الذوبان في كينونته التي لا كيان لها؟؟!!
يداه شعلتان من نار حين تحتضن كفاي أذوب.. فلا هي نار، ولا هي برد..
يا ربي أحم أمتك المعذبة.. ارفع مقتك وغضبك عني..
كيف امتدت أياديه الخفية لتعبث بعقلي هكذا؟؟!!
يتسرب داخله رويدًا رويدًا.. يفرض سطوته وسيطرته على عقلي البائس.. ويعلم أنه المسيطر، يوجه تفكيري للجهة التي يريدها بكل حنكة وسهولة، ولا يبالي باعتراضاتي. فما أنا بفاعلة الآن؟؟
على حين غرة قاطع أفكارها المشوشة صوت شديد، يصفع الباب بشدة، ويغلق بالقفل ثلاث مرات، طرقات شديدة على جدران الحجرة الوردية، وأصوات أجراس حديدية كأجراس قلعة.. يتردد الصوت هائلًا كأنها على سفح جبل شاهق شاسع المساحة، فيرتد الصدى أشد وأعلى.. ضجيج يعلو ويعلو ليصل عنان السماء.. تتخضب جدران الحجرة الصغيرة الوردية بخيوط حمراء تتساقط من سقفها، فتسيل على جنبات الحوائط، وتتلاشي قبل أن تسقط أرضًا، فتصير قرمزية، ثم تتحول للقتامة حتى تقضي على كل بصيص للضوء، على الرغم أن الحجرة لها نافذتان كبيرتان تنفذ منهما أشعة الشمس، وأننا في منتصف النهار، فإن داخل الغرفة قد استحال إلى ليلٍ غطيس.
شهقت شهقة واحدة، تخضب وجهها باللون القاتم، ولفحتها نيران قادمة من السعير..
سقطت فوق الأرض، تائهة ما بين الصحو والموت.. تتصبب عرقًا.. تنازع كشاه تذبح بسكين ثلم..ما الذي حدث لها سنرى الحلقة القادمة … نهاد كراره
هل ورد نوع من الأدب ام نوع من الفكر الذي لا يحتاج إلى إضفاء شرعية عليه، يتبدى في فضاء تجري فيه أحداث منصهرة داخل نص يسرد حكاية، ويسرد في الآن نفسه فكره، بعيدا عن المفاهيم التي عادة ما تحمل اللغة إلى منتهى الإغراب والتعمية وتجعل النص غريبا عما هو حسيّ وإنساني. وهذا ما يميز الرواية مثلا عن الفكر التجريدي أو العلمي البرهاني، فهي تتمثل مشكلات الواقع وما وراءه في نسيج حكائي، تنزاح به من التجريد إلى التجسيد.
جميل جدا ورائع جداً وراقي فوق العادة متميزة دائما متألقة أستاذتنا المبدعة إلى الامام موفقة
إعجابإعجاب