نهاد كراره تكتب (ورد) الجزء الثاني
سقطت فوق الأرض، تائهة ما بين الصحو والموت.. تتصبب عرقًا.. تنازع كشاه تذبح بسكين ثلم..
صرخات حادة تصدر منها، وأصوات غليظة كما لو كانت قبيلة تتعارك داخلها.. طرقات على أبواب الغرفة من الخارج، ونداءات من والدتها أن تفتح:
حبيبتي وردة.. ما بك؟؟ افتحي لأمك. ماذا حدث؟؟ أجيبيني أرجوكِ؟؟ أهو مرة أخرى شيطانك اللعين؟؟ انصرف عن ابنتي… اتركها… دعها وشأنها. ابنتي الصغيرة أيتها النقية الموشومة بالشقاء. أنقذنا يا الله.
وعلت دعواتها، ثم ارتفع صوتها بآيات القرآن، إلى أن وصلت لآية الكرسي:
(اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي…)
فاهتز الجسد المسجى على الأرض بداخل الحجرة بشده كأنه ينتزع من أحشاء أمه قبل الأوان، تتقلب يمينًا ويسارًا كمن تحارب خيالات تقاتلها.. جحظت عيناها كأنهما على وشك الخروج من مآقيهما، ثم يرتفع الجسد الواهن قليلًا، ويرتمي مرة أخرى على الأرض بشدة، فتفقد الوعي تمامًا.. يُفتح الباب بشدة على مصراعيه.. تنقشع السحب والقتامة للخارج من النافذة، وتفسح لضوء الشمس مكانًا.. ببطء يتغير لون الجدران للوردي من جديد.. يسمح لضوء الشمس أن يتسلل بصمت، يلقي بأشعته على الجسد البريء المتكوم في ركن الغرفة.. تشهق شهقة رد الروح في الجسد، ثم تتقيأ سوادًا.
تدخل الأم مندفعة صارخة بكل ما تحفظ من قرآن:
ابنتي…
تصرخ وتبكي.. تحتضنها بيأس متفحصة خدوش وجهها، وبصمات الوحش على جسدها البريء.. تحملها بحنان بالغ.. تضع الجسد البارد بين الأغطية خشية أن تفقدها.
تستفيق ورد صارخة:
ماذا حدث أماه؟؟!! ما تلك الخدوش؟؟!! ما هذا الألم في رأسي؟ ومعصمي يا أماه.. انقذيني.. حلقتان من نار تدميهما.. أماااه عنقي سوار من أشواك نارية يلتف حوله.
تجري ورد إلى النافذة تتعلق بأذيالها أمها:
انتظري.. ماذا أنت فاعلة؟؟ لا تجعليه ينتصر يا ابنتي
بل سأنتصر عليه يا أمي، سأموت، ولن أترك روحي له.
تصرخ الأم محتضنة ورد بكل قوتها:
إن قتلتي نفسك فقد أسلمتي الروح له عن طيب خاطر إلى الأبد، ستظلين في حوزته.. اثبتي يا ابنتي اثبتي.
أخذتها بعنف.. قرأت لها القرآن.. دثرتها.. هدأت قليلًا.. بكت على وجهها الشاحب شحوب الموتى!! أين صغيرتها ورد؟؟!! دومًا هي كوردة في عرض الصحراء.. حين نبتت في ذاك المنزل المقيت.
تعلم والدتها منذ زمن أن وحدتها وسكونها الدائم سيؤذيها يومًا ما، سيجعلها مطمعًا للشياطين، لكنها كانت تخشى عليها شياطين الإنس.. لم تفكر أنه ربما يومًا ما تبكيها هكذا لاستحواذه عليها…
يا شيخنا.. ما العمل؟؟ ابنتي سأفقدها. اتلُ عليها ما ينزع ذاك الشيطان من أعماقها.
نظرت أنا إلى ورد.. سبحان الله البديع!! حين لا يستحوذ عليها كما يتقولون تعود إلى طبيعتها.. هادئة.. جميلة رقيقة.. عيناها الزرقاوان وحمرة خديها، وشعرها الشيطاني الأسود الذي هو أعجوبة على تلك الملامح ينبئ بأنها ملاك!!
كيف لملاك أن يستحوذ عليه شيطان؟؟!! إن الشيطان ليهرب من عينيك خشية أن يحترق!!
أم إنهم يبالغون كالمعتاد؟؟ وما هي إلا خيالات مرضى وجهلهم القروي المعتاد؟؟
بفعل هذا ما هو معروف ومالوف بين الشعوب خيال واسع وتراكيب كلامية من واقع الحياة
كما عهدناك مجددة لغة الحوار قصة مشوقه ملئ بالافكار ينجذب القارئ لها لقراءتها عدة مرات
جميل جدا ورائع جداً شكرا لك أستاذتنا المبدعة
إعجابإعجاب