“لعبة الحبار”، وفريق BTS” ” أشهر تأثيرات الهاليو الكورية.
بقلم د/ إيمان الزيات
انتشر مؤخراً الحديث عن دراما “لعبة الحبار” وهي دراما كورية أو “كي دراما”. نوع فني يشير إلى مسلسلات تلفزيونية قصيرة ذات سمات ومميزات مختلفة تميزها عن المسلسلات الأجنبية الأخرى. وتُختصر غالبا تحت اسم “كي دراما” باللغة الإنجليزية والتي تعني “الدراما الكورية”. وتحظى الدراما الكورية بالكثير من الشعبية حيث حققت العديد من هذه المسلسلات نجاحاً ساحقاً في جميع أنحاء آسيا والبلدان العربية، كما لفتت أنظار شركات الانتاج ومنصات البث العالمية كشركة Netflix، هذا وباضافة رفقة موسيقى البوب الكوري التي أصبحت احدى المقومات الأساسية لظاهرة الهاليو أو الموجة الكورية.
و”الهاليو” أو ما يعرف بموجة كوريا الجنوبية هي تمثيل عام للثقافة الكورية التي انتشرت عالمياً في الآونة الأخيرة، و لهذه الموجة عدة عناصر منها (الأفلام السينمائية، المسلسلات، والموسيقى)، وتتكئ تلك العناصر غالباً على ممثلين في ريعان الشباب والجمال، كما تطرح موضوعات وقصص ذات الطابع الإنساني التي يمكن لكل من يشاهدها أن يشعر أنها تتحدث عنه مباشرة؛ فهي تحاكي ما يرغب فيه المشاهد.
بدأت كوريا الجنوبية بث مسلسلاتها التلفزيونية في الستينيات. لكن الدراما الكورية في شكلها الحالي بدأت سنة 1990، من خلال المسلسلات التاريخية التقليدية.
و بعد الضجة التي أحدثها مسلسل “لعبة الحبار” والتراوح بين الخوف الأسري منه و اقبال الشباب على مشاهدته ومحاكاة ألعابه عالمياً وليس في الشرق الأوسط فقط ، الأمر الذي جعله بمثابة ظاهرة تستحق البحث والفهم والدراسة ، خاصة وأن الشباب الذي يملك الشغف والميل والدفاع المستميت عن اختياراته قد أظهر ميلاً ملحوظاً ومتابعة حثيثة للدراما الكورية بصفة عامة، وعلينا أولاً قبل أن ندخل في صراع سلطوي مع الأبناء أن نفهم كآباء في المقام الأول ومختصين في العلوم الإنسانية، وككتّاب مشاركين أدبياً و فنياً في قضايا الشباب، بل وكمجتمع شرقي، لماذا استطاعت تلك الموجة أن تتغلل إلى أولادنا وتجتذبهم اجتذاباً حقيقياً ، بحيث أصبح لهذه الفنون ولتلك الثقافات تأثيرات ملموسة على السياحة، و الرواج الإقتصادي، بل وشهدت بعض المشروعات التجارية والمراكز الثقافية اقبالاً ورواجاً شديداً بعد تقديمها للعبة قرص العسل، ومحاكاتها للألعاب التي تضمنتها دراما “لعبة الحبار” بعدما أصبح أبطالها “تريندات” بلغة مواقع التواصل.
والإجابة ببساطة لأن الشباب ينجذبون دوماً لما يعبر عن طبيعتهم الجامحة ورغباتهم الوثابة لخوض التحديات، ومحاولاتهم لفهم أنفسهم والعالم الغامض من حولهم من خلال الفنون المتاحة والشائعة من حولهم، تلك الفنون الحاضرة عالمياً الغائبة محلياً للأسف، الأمر الذي يدفعنا إلى ضرورة التعرف على ماهيتها، ومحتواها، وأفكارها.
والمتابع للحركة الثقافية والفنية لابد وأنه قد انتبه منذ فترة إلى تأثير الهاليو الكوري والياباني الحديث على الشباب خاصة فنون الكتب المصورة أو ما يسمى بفن “المانجا” وكذا الأغنية الشبابية الكورية خاصة فريق BTS أو “الفتيان المضادين للرصاص”، الذين اختاروا لفريقهم هذا الاسم كتعبير عن هدف الفرقة الغنائية بالوقوف ضد الصورة النمطية، النقد والآراء المسبقة التي توجه ضد الشباب كالرصاص، والمعجبين بهم أطلقوا على أنفسهم لقب “Army/الجيش” الذي سيكون بجانب الفرقة خلال مسيرتها، و أعمار هذا الجيش تصل لسن 35 عاماً وتتزايد ، وتتمحور أغانيهم حول قصص حقيقية وتجارب شخصية لأعضاء الفرقة والمعجبين الشباب بالاضافة إلى مقتبسات من كتب وأفلام وروايات شهيرة، كما قام الفريق بنشر ثلاثة كتب تشرح قصص أغانيهم باسم The Notes، كما أنهم وجهوا المعجبين في جميع الدول للمشاركة في الأعمال الخيرية ببلادهم ، فأصبحوا بذلك أكبر فئة شبابية جماعية متبرعة في العصر الحديث.
دعمهم جون سينا، وكتب لهم “باولو” كاتب رواية الخيميائي الشهيرة مقولة: ” الكارهون هم معجبون مشوشون يرغبون بأن يصبحوا مثلك”.
وفي رأيي هذا ليس بجديد لكنه لافت للنظر، عليك فقط أن تتذكر في البداية كيف كنت تفكر وتتصرف وأنت شاب أو مراهق، بم كنت تحلم، وما نوع الموسيقى التي كنت تفضلها، وماحكم المحيطين بك على الفرق الموسيقية التي كنت تحبها وتتابعها، وما سبب حماسك وتمسكك باختياراتك في هذه المرحلة ، هذا التذكر كمحاولة منك لتفهم موقف ابنك ودفاعه عن اختياراته التي من الجائز جداً أن تكون جيدة ولكنك لا تعرف عن حقيقتها الكثير، ربما لا يحتاج الأمر منك سوى بعض الرقابة المقننة ولفت نظر ابنك أو بنتك إلى تفادي بعض المحمولات الثقافية التي لا تتفق مع ثقافتك كالكلمات أو الأفكار والمعتقدات.
بفضل ما يتمتع به هؤلاء النجوم الشباب من بساطة وعفوية و وضوح ، وبفضل نجاحهم في تقديم أنفسهم للشباب كمجموعة منه تحمل نفس المشاعر وتقع معهم في نفس فضاء الأزمة وهذا يتضح من كلمات أغنياتهم التي يكتبونها بأنفسهم، فما أصدق أن يعبر الشاب عن نفسه وعن معاناته وطموحه وأحلامه ، الصدق والواقعية أهم معايير القبول لدى الجيل الجديد، هذا ما جعل الشباب يخلعون عليهم ثيمات عربية كأن تظهر صورهم المعدلة بتقنية الفوتوشوب بالغطرة والعقال العربي، وهذا دليل قاطع على شعورهم بأنهم يمثلونهم برغم اختلاف الثقافات والتراث والمعتقدات، حتى أنهم أصبح لهم كوكباً خاصاً يسمى كوكب ال btsK له اختبارات الكترونية لقياس مدى معرفة أعضاء الـ Army بهم ومتابعتهم لنشاطاتهم، وامتثالهم لتوجيهاتهم. لقد تحولوا بالفعل إلى مجتمع منظم وفعال.
تلك الظاهرة أصبحت بمثابة دقة ناقوس تلفتنا لمدى تأثير هذا الفن الحديث في تشكيل وعي شبابنا الفني والأدبي، وكذا إلى تلك الفجوة الكبيرة التي أحدثتها غياب تلك الفنون في مجتماعتنا الشرقية وعجزها عن سد احتياجات الشباب واجتذابه ثقافياً، فالغياب الأدبي والتشكيلي لسلاسل كتب الجيب المصورة ، وطغيان ظاهرة المهرجانات على ساحة الأغنية الشبابية، مع وجود تلك الفنون الكورية واليابانية الموجهة للشباب جعل الانجذاب والتوجه لها بديهياً، والتعبير عنه كما فعلت الفنون الكورية الحديثة، وذلك ما يدعونا إلى دراسة تلك الفنون دراسة اجتماعية ونفسية أو على الأقل فهم محتواها؛ فربما نستطيع في النهاية استثمار تلك الأفكار استثماراً إيجابياً ، وتقديم تراثنا الأصيل في قالب عصري جذاب.