نهاد كراره تكتب (ورد) الجزء الثالث
نظرت أنا إلى ورد.. سبحان الله البديع!! حين لا يستحوذ عليها كما يتقولون تعود إلى طبيعتها.. هادئة.. جميلة رقيقة.. عيناها الزرقاوان وحمرة خديها، وشعرها الشيطاني الأسود الذي هو أعجوبة على تلك الملامح ينبئ بأنها ملاك!!
كيف لملاك أن يستحوذ عليه شيطان؟؟!! إن الشيطان ليهرب من عينيك خشية أن يحترق!!
أم إنهم يبالغون كالمعتاد؟؟ وما هي إلا خيالات مرضى وجهلهم القروي المعتاد؟؟
سألتها أن تخبرني كيف يأتي إليها، ويفعل بها ما ترويه والدتها، فنظرت إليَّ بكل براءة متسائلة:
من هو يا مولانا؟؟!! أنا لا أعلم ما الذي يحدث لي.. فجأة أجد تلك الخدوش، وأحس بجسدي منهكًا، كأنني عائدة من الموت.
أتُصلِّين يا ورد؟
تطرق ورد رأسها:
للأسف لا يا مولانا.
تلبسني صوت شيخ الجامع الذي اعتدت أن أذهب إليه في صلاة الجمعة، فقلت لها بصوت رخيم:
إننا سنبدأ في مجاهدة النفس والالتزام بالصلاة، وتساءلت عن رؤى تراها، أو كوابيس ما تفزعها، أو خيالات تراها في اليقظة، فهالني كابوسها الذي قصته علي.
روت لي كابوسها الأعظم.. رأت أن لهم قبوًا تحت المنزل، وهي تمد بصرها من بابه خائفة لترى ما بالداخل، فلا تستطيع أن ترى شيئًا سوى ضوء قان يميل إلى الإعتام.. أسقطت رأسها من بابه بحذر، فأبصرت شخصًا ما ممددًا على ظهره.. أشعث الشعر.. عاقدًا يديه أعلى رأسه.. يخبئ عينيه مما يرى، وحوله نيران بشعة، وجو خانق ودخان، وخيالات كثيرة من حوله، تظنها هي أرواح معذبة لما يصدر عنها من صرخات، وأنين ورائحة عطنة عفنة، منبعثة منهم جميعًا، وصوت لقرع طبول بعيد.. أما عن النائم فقد حاولت أن تخرجه من قبوه، وهو لا يلتفت لها أبدًا، كأن صوتها غير مسموع له أبدًا.. أخبرته أكثر من مرة أن يعتدل ويهرب، وألا ينام هكذا.. نادته أن ينظر إليها، بلا فائدة، كأن المكان في الفضاء، بلا هواء فلا ينتقل أي صوت منها إليه.
وحين صرخت فيه أكثر رفع رأسه قليلًا كمن لا يستطيع أو كمن هو مجبر على ألا يلتفت، نظر إليها وبكى صامتًا بحرقة، شعرتها تنبض بقلبها، ثم قال لها:
اهربي..
$وعاد إلى نومته الأولى، كأنه مرغم لا يستطيع الحركة.. همت بالخروج سريعًا بعد أن يئست، ونال منها الإجهاد والحسرة عليه ما نال، فإذا بيد تحاول اختطافها، وتحوِّل القبو إلى هوة سوداء من أسفلها، وهي معلقة ببابه بكلتا يديها.. أصبحت يدين… ثلاثة… آلاف الأيدي تحاول إسقاطها للأسفل.. تمسكت باستماتة بباب القبو الحديدي.. تعلقوا بذيل جلبابها الطويل الأسود.. شُقَّ نصفين، فتعرى جسدها الأبيض، وظهرت ساقاها الجميلتان، حينها فقط أتى طائر أسود مهول، يشبه الغراب، له أجنحة صقر.. أربعة أجنحة.. بعينين حمراوين، يزأر كالأسد بأنياب… مخالبه كسيوف حادة تلمع في الظلام.. تركتها الأيادي القبيحة على عجل، وبذعر من رؤيته، وسقطت للأسفل تاركة إياها معلقة بباب القبو كما هي حلَّق بجوارها لكنها أغمضت عينيها بقوة.. خشيته.. أيقنت أن هلاكها لابد الآن آت.
لكن بطريقة ما تجهلها، حملها عنوة إلى عشه.. أجلسها داخله، وظل يرمقها بطريقة أرعبتها… قال لها: عيناك ساحرتان… وجسدك يسلب اللب.. أنت وردة في بستاني أنا وحدي…
ومد جناحه الأيمن الذي تحوَّل ليد سوداء معروقة بالدماء، بآخرها أصابع بمخالب طويلة، ولمس كتفها الأيسر لمسة أيقظتها يومها مذعورة. تتحسس جسدها خائفة فوجدت أولى خدوشه على جسدها، ومنذ ذاك الحين وهي هكذا… تعاني منه، صحوًا، ونومًا.
سألتها أتعلم من النائم؟؟ أخبرتني أنها تعرفه.. إنه أحمد.. كانت تحبه في السابق، والأهل متفقون على الزواج منذ كانا صغيرين، لكنه دومًا على خلاف عقائدي معها، فهو غير ملتزم تمامًا بالصلوات:
دائمًا أخبره أن الله شديد العقاب، لكنه مع ذلك غفور رحيم، وأحثه على الصلاة والصوم، ولكنه لم يلتفت لما أقول أبدًا..
نظرت إلى الشيخ بخجل:
كنت حينها أصلي فروضي في وقتها.
أين هو الآن؟؟
مات يا شيخنا.. عربة حمل بضائع قتلته على الطريق السريع لبلدتنا.. اذهب له دومًا. أدعو له هناك عند قبره وأبكي.
ولن تذهبي ثانية يا ورد.. فقد علمنا الآن أن شيطانك العاشق رآك هناك، واختطفك، وعلينا أن نعيدك… حين يحضر اقرئي آية الكرسي.
لا أستطيع حينها.. لا أستطيع… سيقتلني يا شيخنا.. سيقتلني.
ورد.. أولا يقتلك الآن بكل ما تشعرين؟؟!! إنها والله موتات كثيرة يا ورد..
خيال واسع وتراكيب ادبية بتسلسل احداث يدو غير واقعي ولكنه ممكن جدا ان يحدث او قد حدث مع اناس لم يستطيعوا ان يحدثوا بما مر بهم
جميل وائع
إعجابإعجاب