جراحي يكتب مقال
خطبة الجمعة.. يوم القيامة المرعب!
النص:
يصعد المنبر بجلبابه الأبيض الجميل و لحيته المهذبة الدقيقة، يلقي السلام على المصلين ثم يجلس قليلا حتى ينتهي مقيم الشعائر من الآذان الثاني في جو احتفالي كأوقات العيد. أرى الحبور و السرور على وجه ابني الصغير الذي بدأ يمارس العبادات و يتعلم عن دينه فقط هذا العام. ينظر حوله و يري المصلين يدخلون من أبواب المسجد، منهم النشيط و منهم الكسول، منهم المقبل بقلبه فيبدو علي وجهه القبول و منهم المقبل بجسده فيدخل ثقيلا عبوس.
يري المصلين من حوله، هذا يقف ليصلي ركعتين و هذا يجلس بلا صلاة و ذلك ما إن جلس حتي أخرج مسبحته و امسكها بين أصبعيه السبابة و الابهام، يديرها تارة بهدوء و دِعة و تارة بسرعة و قوة. و يري من أمسك مصحفا و استند بظهره إلي الحائط ماداً قدميه أمامه تعلو اليمنى يسراه واضعاً مصحفه علي فخذيه و سبابته تشير الي سطور القرآن الكريم و شفتاه تتحركان و تتمتمان و جسده يهتز يميناً ويساراً.
حتي قام الإمام من جلسته و بدأ خطبته بالثناء على الله كما فتح الله عليه، و الصلاة و السلام علي الرسول الكريم. اعتدل الجميع و تركوا ما انشغلوا به و تحولت كل الآذان و العيون إلي المنبر و ارتفعت الأعناق لأعلي حيث يقف الخطيب. فنظر ابني إلي ما حدث حوله و كأنه تعجب أو أخذه الإعجاب بما حدث. و نظر إلي وجهي حتي يسألني ما الذي يحدث فوجدني أصرفه عنه متوجها إلي الخطيب ففهم انه لا كلام الآن كما أخبرته قبل أن نذهب إلي المسجد ، ففعل مثلي و مثل الجميع و رفع رأسه الصغير و فتح عيناه الصغيرتين و معهما قلبه الرقيق و توجه بكُلِه ليسمع و يري ما يقول هذا الرجل الذي ترك الجميع انشغالاتهم لأجله!
.
قال: “أما بعد، يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة،.. “
أحسست في لحظتها قبضة ابني تضرب فخذي الأيمن مندهشاً كأنه يقول ما الذي يقوله هذا الرجل؟!
في قلبي كنت أريد أن أتحدث معك يا بني و لكن لا لغو في الصلاة، كنت سأؤكد لك ما أخبرتك به أن يوم القيامه ليس يوم الحسرة و الندامة….
-يقول خطيب الجمعه؛
يوم القيامة، يوم الحسرة و الندامة
( ينظر ابني في عيني كأنه يكذبني) فقد علمته أن يوم القيامة يوم النجاح و السلامة
- يقول الخطيب؛
يوم تسود وجوه - و انا علمته أنه يوم تبيض وجوه
- الخطيب : يقف الخلق عرايا منكسي الرؤوس تلحفهم الشمس و تغرقهم في عرقهم
- انا علمته : سيلبسك الله ثوبا من ثياب الجنة فقد حفظت كلامه، و يمدد عليك ظله فقد نشأت في طاعته.
- الخطيب : يوم القيامه يوم يفر المرء من اخيه و امه و ابيه و صاحبته و بنيه
- انا علمته : يوم القيامة نجتمع اسرة كبيرة واحدة، و الذين اتبعتهم ذريتهم باحسان ألحقنا بهم ذرياتهم
- خطيب الجمعه: يوم القيامة ظلام دامس لا يري فيه الرجل يده
- انا علمته : يوم القيامة يوم النور الذاتي للمسلم، نورهم يسعي بين أيديهم و بأيمانهم
- خطيب الجمعة : يوم القيامة تأتي النار مسلسلة يجرها ملائكة لها ألسنة من لهب يحشر إليها الناس و يلقون فيها كالبهائم
- انا علمته : يوم القيامة سيعطيك الله دابة تركبها تسير بك الي الجنة التي ابوابها مفتحة في انتظارك و كل الملائكة يحتفلون بك.
- خطيب الجمعة : يحصي الله افعال العبد و يري صفحته مملوءة بالسيئات و يأخذ كتابه بشماله و يعود لأهله مسود الوجه ندمان.
- انا علمته : أن يوم القيامة يوم اعلان النتيجة و انه سيحصل علي شهادة تقدير عما فعله في حياته من خير له و لغيره، و سيتناول شهادته بيده و يأتي إلينا أنا و أمه ليسعدنا بدرجته و هو ابيض الوجه فرحان
- خطيب الجمعة : يمر الرجل فوق الصراط فتخطفه كلابيب و خطاطيف فيقع في النار او يمشي مرة و يقع مرة او يحبو او يزحف..
- انا علمته : انه ستنبت له اجنحة من نور بقدر الخير الذي فعله و بقدر الصلوات التي حافظ عليها فيطير بها فوق الصراط نفسه..
- خطيب الجمعة : يُطرد الناس من علي حوض المصطفي صلي الله عليه وسلم و لا يسقيهم احد، و يقول لهم الرسول بُعداً بعداً.
- انا علمته : يا بني سنشرب و نرتوي، يا ولدي.. جدك النبي، فهل يُخذي الجدُ حفيده!!
لا والله
لا يغزنا الله ولا يغزي الجد حفيده
إعجابإعجاب