كاميليا القايد تكتب الحب الصحيح في الوقت الخطأ


“الحب الصحيح في الوقت الخاطىء “

أحبني طبيبي النفسي .. الحكاية غريبة نوعا ما .. لم أفصح له باسمي الحقيقي عند ارتيادي لعيادته ، استخدمت أسما مستعارا ، حتى عندما استفسرني عن مهنتي كذبت عليه لم ادري حينها لما ..

تداولت على عيادته ما يقارب الشهر .. و كنت ازوره يوما بعد يوم .. لقد كنت طبيبة نفسي طيلة سنوات ..لكن الآن امتلأ الكأس .. أردت إنسانا يسمعني ، يسمع جملي و كلماتي حتى و ان لم يفقه بحرف فقط أشعر بوجوده جانبي ..
كنت بحاجة إلى الإنصات .. كإحتياجي الأكسجين ، بعد الصدمات التي مرت في حياتي ، المواقف الحزينة التي لازالت تنسج في ذاكرتي و تنخرها يوميا .. أيام عصيبة لم أصدق كيف كنت قادرة على تجاوزها في لحظة من اللحظات ..

اصبح رفيقا لي ليس بطبيب .. أدمنا على بعض في مدة وجيزة .. أبوح له بكل شيء ، كل شيء حتى الأشياء التي لا يعرفها أقرب الناس لي .. ارتحت معه كثيرا .. و عرفت الألوان طريقها لحياتي .. كان له فضل كبير في خروجي من عالمي الذي يكسوه الظلمة و الوحدة .. أصبح يستشيرني أو يأخذ بنظري في بعض حالاته .. حتى أنه أصبح يغار مني و من قدراتي التي تفوق قدراته أحيانا لفك ألغاز مرضاه الذين لا أعرفهم ..

و في تماما الشهر ، التقينا في أمسية ضمن ثلة من الأصدقاء ، صدمت حينها .. نجلس على نفس الطاولة .. بادلني هو أيضا بنظرات صادمة .. أكملنا السهرة و كل منا لا يصدق ما رأت عيناه.
هو رآني و كشف أمري ، كشف تستري عن عملي الذي اخفيته عنه طوال شهر .. ظلت أفكاري تنمو شيئا فشيئا ، اكيد انه قال عني كاذبة، و بأنني لا أصلح لنكون أصدقاء، و حتى مريضته ، من المؤكد سيستفسر مني عن السبب .. أما هو فوبخ نفسه كيف تجاهل أمري ولم يعرفني .. فتقريبا نحن في نفس ميدان العمل، حتى اصدقائنا مشتركون، لماذا اخفيت عنه هويتي .. مئات الأفكار تجول في رأسينا حتى قاطعها قرع الكؤوس و الضحك من حولينا ..

انتهت السهرة ، و يا ليتني لم أذهب ، طلب مني الترجل للشاطئ، فكثيرا ما نقوم بحصص العلاج هناك، لكن اليوم حصة عتاب ..
وافقت على مضض .. لا أريد معرفة ما سيحصل، يكفي ما عانيته .. لا أريد ألما ا إضافيا ..
لماذا أخفيتي عني حقيقتك؟ .. لماذا لم تخبريني باسمك على الأقل؟ .. أتتهربين من هويتك؟ .. ربما ..
اجبته ببرود ملتفتة للشاطئ بصوت يشبه الهمس، أما هو أحسست و كأنه بركان على وشك الانفجار ..
اتمزحين معي؟ أكاد افقد اعصابي أثناء السهرة .. لم يقف دماغي عن التفكر ولو لوهلة .. اخبريني الحقيقة أرجوك لا تتعبي نفسي أكثر !! رد على كلماتي الباردة بنبرة عالية و غاضبة.

أتريد أن تعرف .. قل لي أتريد ان تعرف .. حسنا سأخبرك .. لا أريد أن يعرف الناس أني معقدة نفسيا .. أنا بمنصبي و بسمعتي بين الناس .. لا أريد أن يشفقوا علي .. لا أريد أن أكون مريضة في نظرهم .. لا أريد أن يعرف أسراري و لا حياتي و لا سبب وصولي إلى هذه الحالة .. لا أريد أن يتكشّفوا على أسراري الخاصة التي لا يعرفها أحد غيرك .. لا أريد أن يعرف قدر و كمّ المعاناة التي عانيتها ، و التي دمرتني و جعلتني هكذا ..
أجبته ببكاء ، بعينان تدمعان مع كل كلمة تخرج من شفاهي . أكملت بصراخ
_لا أريد شفقة الناس علي …
و طفقت في بكاء هستيري .. و كأن جرحي وضع فوقه الملح كي تستفيق كل أوجاعي التي كتمتها كل تلك السنين .. لكني لم أكن أخجل من البكاء أمامه.. فقد اعتاد علي في كل حصة هكذا .

قبل خلودي للنوم وصلتني رسالة منه ” أعلم أنك لست بحالة جيدة لكني لا أستطيع الكتمان اأكثر ، ولا أجيده .. أنا مغرم بك، أحببتك من أول يوم دلفت فيه إلى مكتبي .. أحببت كلماتك، حركاتك ، حتى حديثك رغم ما يتخلله من حزن ، حتى ألمك أحببته ، عاداتك الطفولية ، خجلك عندما أمدحك في التقدم في العلاج، ضحكتك أدمتنها عندما أغار منك في تحليل مرضاي،
أنا أيضا أخفيت عنك سر .. مرضاي لم يكونوا مرضاي….أنهم أنا .
أردت الإنصات إلى رأيك في مواضيع تخصني وكم استحسنته !!
ليكن سر بسر .. كنت أنتظر بفارغ ما أوتيت من صبر حصة علاجك .. و لو أنها يوما بعد يوم ..أعرف ظروفك و ما مررتي به. لكن كوني متيقنة بأني سأكون معك و بجانبك ..تيقني بأني لن أتركك ..
انتظر جوابك “

قرأت رسالته و بدت دموعي تنساب على وجهي .. أنا لا أستحق كل هذا اللطف .. بكيت و بكيت .. على كل ما ينتابني من أحاسيس و مشاعر.. لم اارد الرد على رسالته .. لم أرد أن اقول له أنه من السيء أن تكون حبيبته مريضة نفسيا .. متقلبة جدا .. ذات مزاج متعكر أكثر من الطقس .. لا أريده أن ينشغل بي .. أريد أن أبقى بمفردي ..

و عدت من وقتها أعيش في كوخ ظلمتي الصغير الذي بنته لي الأيام القاسية ..

الآن و بعد عشر سنوات، أعيد قراءة رسالته و تنتابني نفس المشاعر، نفس الأحاسيس .. لم أخبره أني أيضا أحببته ..
أتاني في وقت ضعفي .. في الوقت الذي لم أجد فيه ذاتي .. خفت عليه من نفسي .. جئت في الوقت الخاطئ ..

“ليتك جئت قبل انطفائي .. قبل انكساري .. قبل ضياع نفسي ..أحببتني في الوقت الخاطئ .. ليتك جئت قبل الآن .. “
✍️✍️الكاتبة كاميلياالقايد

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.