حنان العسيلي تكتب لمسة حنان


لمسة حنان

حنان العسيلي

بعد انتهائِهِ من يومٍ مليء بالأعمال الشاقة والمُجهدة ،استلقى بجسده على أحد الأرصفة في شارع نائي حتى يتجنب زحام الشوارع وأدخنة السيارات التي يستنشقها ،حتى أن رئتيه معبأةً بها كاسطوانةٍ معبأة بثاني أكسيد الكربون!
ولكن هيهات أن ينام!..لمحه وجهٌ عبوس تكاد القسوة تنفرط من صدره كانفراط حبات العقد! ، صاح به وطرده من أمام محل عمله .
عاد المسكين إلى الرصيف المعتاد تحت شجرة في شارع تملؤه الزحام والسيارات ،وبعض الوحوش في هيئة بشر، قرر أن ينام كما اعتاد كل يوم وسَخَر من نفسه وحدثها بألا تتمرد على هذا الرصيف الذى احتضنه وهو طفل يحبو إلى أن بلغ التاسعة من عمره. استسلم لنومٍ عميق كما لو كان في غيبوبة لا يزعجه صوت سيارات ،ولا يثيره سير الكلاب والقطط من جانبه،فقد اعتاد عليهم واعتادوا عليه،حلم واستمتع بالحلم ابتسم وجهه البريء وهو مغمض العينين وأثناء حلمه لمحته من بعيد فتاة تعبر الطريق،وقفت تتأمله وتحدق به..وبوجهه الطفولي الملائكي المبتسم ،رأفت لحاله حتى دمعت عيناها ربتت على كتفيه بحنان وقبلت وجنتيه،تركته وذهبت لإحدى المحلات المجاورة فأحضرت له طعامًا ورجعت إليه.. فوجدت زحامًا وسيارة إسعاف تحمل أحد الأشخاص بعد أن لقيَ حتفه على يد سيارةٍ طائشة ،إذا به ذلك الوجه البريء ،رمت كل ما تحمله يداها وتمزق قلبها كأمٍ فقدت جنينها قبل أن يولد! فقد صدمته سيارة حينما حلم بأنه يجري ويحضن أمه ،أمه التى لم يراها منذ أن حل ضيفًا ثقيلًا على دنيا بخيلة قاسية،فقد أعطته تلك الفتاة حنان وعطف الأم حينما ربتت على كتفيه، وقبلت وجنتيه.. منحته حلمًا ما كان يحلم به لولاها! ، ولو كانت تعلم أن حنانها سيقتله لما رق قلبها بهذا الفيض من الحنان ،وما منحته تلك اللمسة الناعمة المميتة.

الإعلان

1 Comment

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.