نهاد كراره تكتب لم يكن حبا


لم يكُنْ حبًّا..
رآها كما يحبُّ جميلةً ناجحةً قوية، فعلم أنه حينما يكسرها فلن تتحطم ولن يُحمِّله قلبُه ذنبَ انهيارٍ ما. رأَتْ في كفَّيْه علاجًا وفي عينيه حياة. كان ككفَّي ميزان تضع فيهما حياتها لتشعر بالاتزان، كلما صادف عقلها بركانًا خمدَ بكلمتين منه، لم يمنحها كل ما تمنَّت روحها من اهتمام ومشاعر، ومن المؤكد لم تمنحه كل ما يريد كذلك. ظنت أن ما بينهما غافرٌ لكل شيء، لكن مداومته على تحطيمها بإصرار هزمَتها في النهاية فتفتَّتَ كل شيءٍ بينهما.
لم يكُنْ حبًّا..
اقترب كثيرًا فغمره عشقُها، تململ كما كل لاعب حينما يفوز دومًا فيملُّ لعبته، وهي كانت اللعبة الصعبة التي حينما تفتح أبوابها تسقطك في نهرٍ من عسل، وهو لا يحبُّ العسل، بل يعشق الحنظل وأشواك الوردة وسواد الليل.
لم تتحَلَّ بذكاءٍ كافٍ لتلعب معه وتحل أحجيتَه المُعقَّدة، ظنت أن تلقائيَّتَها ستفوز، فلم تستطِعْ أن ترخي حبلًا وتشدَّ آخر كي يظل في أعقابها يسعى، فظل كما الميزان الزنبركي، تركها مراتٍ زاحفًا على سلالم حيةٍ رقطاءَ وأخرى، ثم عائد يجرُّه الندم على ليال الوحدة والفراق، فوجدها مرحبةً بقلبه دون لومٍ ولا قيدٍ ولا شرط، لكنه يعود دون أن يعترف ولو لقلبه أنها شيءٌ مهمٌّ لديه، بل أساسيٌّ في حياته وأنه لن يستطيع نسيانَها، فظلَّ يعاود الزحف والعودة حتى أفاقت هي على حجرٍ ثقيلٍ يرتطم بقلبها اسمه اللا مبالاة، منقوشٌ على سطحه: «وجودكِ الدائم وغفرانكِ وتغاضيكِ عن أشياءَ كثيرةٍ تؤلمكِ سببُ هلاكِك، اختلافاتُ الشخصية التي ابتلعتِها ومحَوْتِ أهميتها كي لا تراها عيناك قتلتك».
لم يكُنْ حبًّا..
ربما افتقادٌ من الطرفين، لمعانٌ لم يكُنْ في مداراتهما، وحدةٌ وحزنٌ يسكنان القلبين، وربما مجرد درسٍ جديدٍ من دروس الحياة، فالمحبة ليست كلها تضميد جراح أو سعادة، ومن بعضها ما قتل.
وهنا، حينما أنبتت الأرضُ القاحلةُ نبتةَ عشقٍ وارتوت لتزهر داسَتْها أقدامُ حقيقةِ أنه ليس حبًّا، بل كان كل شيءٍ غير الحب.

نهاد_كراره

تخاريف

الإعلان

1 Comment

  1. جميل جدا ورائع جداً شكرا لك
    ولكن يقال إذا سمحت أيضا
    علماً أنني لم أطمح يوماً إلى الحبّ. شككت في أمره واعتبرت أنه قد لا يتعدّى كونه مفهوماً اجتماعياً. ذلك أنني لطالما تمكّنت، حتى بدأ الشيب يتلصّص على شعري، من إيجاد تفسيرٍ منطقيّ يقرّب بين البشر. هي المصلحة تارةً، من دون إخضاعها لاختبار الخير والشرّ، تجعل شخصاً يقاربك ويبقى إلى جانبك. هي الحاجة، أو الضعف، أو الهورمونات، وأحياناً فوبيا الفراغ المادي. يرعبني الفراغ المادي لما يحمله من استعارات تؤجّج المخيّلة. الحبّ هو تلاقي الحاجات أحياناً، يخضع للزمان والمكان والبيئة المحيطة، ولا ضمانة له أبداً. مَن يستطيع أن يضمن لك أنه يحبّك؟
    هي وجهات نظر مختلفة ولكن الشعور بالحاجة للآخر مخلوقة مع الفرد بالرغم من أن الفلاسفة
    لهم رأي آخر
    أرسطو) فيرى أنّ الحُبَّ علاقةٌ تعبِّر عن جسَدَين بروحٍ واحدةٍ، وهو شيءٌ غيرُ مُنتهٍ، فالحُبّ الذي يَنتهي لا يكونُ حُبّاً حقيقيّاً
    سقراط) فيرى أيضاً أنّ الحُبَّ الذي يَنتهِي ليس حبّاً، وهو يُعطي الحُبَّ رِفعتَه ومكانتَه المقدَّسةَ، فالحبُّ عنده هو شوقُ النّفسِ إلى الجمالِ الإلهيّ الذي لا ينضُبُ ولا ينتَهي.
    ويرى أبو بكرٍ الرَّازيّ أنّ الإنسانَ يُبتَلى بالعشقِ، لذلك نادى بضرورةِ الابتعادِ عنه

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.