في الحرب الأخيرة بيننا، وقبل أن أضع نهاية حتمية لفرص نجاتي من هزيمة أخرى وغياب أخير… آمنت أن الحب حقيقي… والفراق أيضًا.
كانت بيلار ديمونته غارقة في صمتها التام… قرية نائية بها بقايا من طقوس ريفية، وسخافة حياة جزئية من حياة المدينة.
صمت أجبرني علي محاولة الكتابة إليك من جديد… نصف عام مر بعدما انتهينا، ولا رغبة لي الآن في معرفة أسباب الرحيل… فقط يكفي ما مررت به.
في الشهور الست الماضية صادقت ألف امرأة، لأنسى… خضت ألف معركة عقلية لأنتصر عليك… طفت ألف مدينة وحدي… وكتبت ألف قصيدة للموت، وانتظرته لثقتي التامة أنه أقرب من يديك.
عدت إلى بيلار ديمونته… تاركًا غرناطة تسقط وحدها… فلم تكن عندي طاقة تكفي لإنقاذها من موتها الأكيد.
تظنين خيانتي سببًا للفراق الذي حدث!؟ الحقيقة صديقتي أنني استشعر الطريق بحدس يسبق خطواتي، فلما رأيتك راحلة لا محالة أردت وضع سبب يسهل الرحيل عليك، عسى أنال عقوبة كافية في الغياب.
هنا في بيلار ديمونته، ينتظر الناس المعجزات، وينتظرون أن تمر قافلة طبية ليحتشد المرضى جميعهم حولها… ينتظرون ختام أسبوع يستطيعون فيه شراء اللحم والفاكهة… ينتظرون عودة الآباء من عمل طويل جاوز أيام نشأة الكون كله… وأنا الشاعر المرهف أصوغ كل مرة أعود، أن أيام انتظارهم هذه كافية لخلق أكوان جديدة، تكن لهم عوضًا عن مأساتهم هنا.
هذه بيلار ديمونته، قريتي التي ظننت أنك حينما ستطأين خطوتك الأولى فيها ستتحول جنة أبدية ونعيم يدوم لوقت حياتنا فيها.
أردت بعودتك إليها معي، ان تهبينها معجزة من معجزاتك التي أعادتني إلى الحياة.
بيلار ديمونته صديقتي الغائبة كانت بحاجة كاملة إليك، ربما أكثر مني.
أنا الآن سئ كفاية لفرض هذا الصمت هنا.
نصف عام مر كنت فيه أضرم النار حولي… كل يوم اكتنز قدرًا من أموالي، لاشتري بيتًا صغيرًا في غرناطة.
ولما سكنت بيتًا علي أطرافها أضرمت به النار… وعدت الي قريتي بلا غاية في الحياة.
صديقتي الغائبة… الآن سأخلد إلى نوم طويل يتناسب وصمت قريتنا… فأناسها لا يعرفون من الحياة سوى متعة العائلة… ولأنني شيطان العائلة الشارد المحروم منها… فلا متعة هنا تبقيني. ولا حنين يعيدني إليك.
صديقتي أحرقت بيتي في أطراف غرناطة، والآن في برد قريتنا الفقيرة هنا سأشعل بيت وددته لو كان جنتك الصغيرة، عساه يدفء قلبي.
إبراهيم جمال يكتب رحيل أخير
