العجوز
إيمان السيسي
_كان الوقت يُقارب منتصف الليل، الصمت يُطبق بوقعه الثقيل على كل مكان بالمنزل الخالي إلا من بعض قطع الأثاث القديم المتهالك المترامي هنا وهناك، النوافذ تبدو وكأنها مغلقه منذ زمن بعيد وقد نسجت العناكب خيوطها حولها وإمتلأت حوافها بسُحب من الغبار، الجدران تآكل طلائها بفعل الرطوبه وسرت بها الشقوق المُتعرجه، الظلام يُغلف كل شيء، إلا من شعاع بسيط من ضوء بعض الشموع يأتي من إحدى الغرف مهتزاً على إستحياء، كان جسده مُمدداً على سريره الوثير العالي ذو الأعمدة النحاسية، وكإنه الشاهد الوحيد هنا على ثرائه، طويل القامة عريض المنكبين، رجل تخطي العقد الثامن من عمره ، ذو لحيه مُدببه قصيره، وجهه حاد القسمات، ذو أعين واسعة لامعه كعيون الثعلب تنم عن ذكاء حاد، كانت نظراته موجهه بثبات نحو سقف الغرفه دون أي حراك،إلا من حديثه لنفسه بصمت.
اااااه .. وها قد مر بك العمر ووصلت إلى أرذله، تعيش وحيداً في منزل واسع ليس لك رفيق فيه إلا الصمت، لك زوجة وأولاد ولكن أين هم منك الآن، لا أحد منهم حولك إلا أسمائهم فقط مدونه في وصية لك لضمان حقهم في إرثك بعد وفاتك، ماذا جنيت بعد كل تلك السنوات من التعب والشقاء؟! مساحات من الأطيان؟ عدد من البيوت؟ ثروة من النقود والقطع الذهبيه والفضيه؟ هيهات وبماذا تفيد الثروة وأنت تعيش وحيداً تفتقد الدفء والونس وصوت أولادك؟ هل سيأتي إحدى البيوت لإطعامك أو لمداوتك، هل ستقوم بعض قطع النقود بمنحك حُضناً دافئاً يعوضك عن كل الآلام التي تُلاقيها، بالطبع لا، المؤكد هنا فقط إنك تعيش بمفردك في ذلك المنزل المُوحش الكئيب البارد الخالي من أي روح سواك، لم تنفعك ثروتك التي أهدرت سنوات عمرك في جمعها، عملت جاهداً على أن تنمو وتزيد وتزيد حتى أصبحت من الأعيان أصحاب الأطيان، لكنك فقدت نفسك وخسرت أسرتك في منتصف الطريق غير عابئ بخريف العمر الذي ستشعر فيه بإحتياجك لهم، ولكن بماذا يفيد الندم الآن؟ أين أنا منهم، كل ما كنت أتمناه أن أراهم ربما للمره الأخيره، أن أشبع من تفاصيلهم وملامحهم، وربما هم أيضاً كانوا يتمنوا ذلك أن يروني لأخر مره في حياتهم… مضي وقت الأمنيات ولكن مؤكداً لنا موعد باللقاء وإن كنت لا أعلم متى وأين.
فاق من أفكاره على شعور غريب ببروده شديده تسري في جسده، ومفاصله بدأت تتصلب شيئاً ف شيئًا، ما هذا الشعور الغريب، ماذا حل بي!، إعتدل من نومته ووثب من على سريره واقفاً، وأخذ يتحسس جسده، ماهذا !! أين جسدي!! ، تلفت حوله وجد جسده مُسجياً بلا حراك جثة هامده تسبح في دمائها على سريره، يا إلهي لقد قُتلت!! أقتلني أحدهم وأنا نائم بدافع السرقة!! نعم نعم يبدو ذلك من أشيائي المبعثره هنا وهناك وبعض قطع النقود الذهبيه المتناثره على الأرض!، إممم حان وقت الراحه الإجباريه، اليوم تودع الدنيا وثروتك كلها، حتى ذلك المنزل الكئيب سأودعه ولكني رغم ذلك سأفتقده، تفحص جسده المُسجي أمامه للمره الأخيره قبل أن يغادر الغرفه قائلاً : حتى أنت سأودعك ولكن حتماً لنا بعد حين لقاء.
تمت… مشهد مستوحي من قصه حقيقيه.