عماد ناجي يكتب عادت زهور الأهواز إلى موطنها


عادت زهور الأهواز إلى موطنها

✍🏻 عماد ناجي

بعد أن حاولت أن تصل إلى زوجها عبر رحلة جوية آمنة، تلقت الخبر السيء عن طريق إبلاغها بمنع خروجها من قبل السلطات القضائية وحرمانها من السفر، والذي هو من أبسط حقوقها المدنية.

فأجبرت على تجريع المرار وهى تختار الطريق الأصعب عبر الهروب عن طرق الجبال الوعرة في شمال غربي إيران، حيث القلل المثلجة وكتل الثلوج المكتضة والمكثفة بالطريق نحو الجبال والأراضي التركية، بمرافقة أخ زوجها وكما يقال بلهجة الأهواز حماها.
كان هو إيضا” شابا” يافعا” وذو غيرة وحمية وقرر أن يرافقها مسيرة هذا السفر المتعب والمحفوف بالمخاطر.

أتخذوا القرار الصعب بالعبور من وسط تضاريس الجبال حيث تكون في الشتاء أكثر أمنا” وفارغة من جنود الحدود لسبب البرد القارص والساقع هناك، متجاهلين الطرف الآخر خلف المعبر، مع مجموعة من الناس الذين فروا من مختلف المدن ليجتازوا هذا الطريق نحو تركيا كبلد ثالث للعبور هربا”.

خرجت زهره من البيت مودعة أهلها وأخوتها وأخواتها، ألقت نظراتها الأخيرة وسط باحة المنزل ثم نظرت إلى النخلة الباسقة في وسطه وقبضت كف من التراب من تحت الشجرة، ثم رفعت يداها وأشتمت التراب وأخذت منه تبركا” وتيمما” لتعبؤه في قارورة ماء فارغة كتحفة تحتفظ بها في المهجر.
متجهة نحو زوجها في هولندا لكي تعيد له مرة أخرى رائحة الوطن، في المنفى ويلم شملهم في المهجر.

كانت زهره في ريعان شبابها بنت الثامنة والعشرين في ربيع عمرها لها أمنياتها وطموحها كأي بنت عربية شرقية وكانت ترسم أحلامها للمستقبل عند التحاقها بزوجها ولتأسيس حياتهم الزوجية السعيدة .

في الطريق كانت تتأمل وتفكر مع نفسها بكل إضطراب وقلق، فكرت بالإبتعاد من أرض الوطن والإغتراب، فكرت بآخر خطواتها ألتي خطتها على أرض الوطن وآخر لحظات الوداع مع عائلتها وصديقاتها وآخر نخلة وشجرة ودعتها.

كانت تستعيد لحظات الوداع في مخيلتها مع أحبائها وأهلها وعناق أمها وأبيها ورائحة البيت الذي عاشت فيه طوال فترة طفولتها وأيام حياتها وتركت في كل زاوية منه ذكريات جميلة لاتفارقها، والآن هى مجبرة أن تتركه قسرا” وتهاجر هربا” لتلتحق بزوجها.

كانت زهره في تلك الأجواء الباردة وفي طقس مثلج تستعيد ذكريات الطفولة وتلك الأيام وحنان العائلة و دفيء البيت و لمة الأهل فيه.

كانت تنظر من خلف زجاجة الباص وتهل دموعها وتسيل على وجنتيها بهدوء كاتم لصوت بكائها وآهات حزنها من عمق قلبها في فراق الوطن والعائلة.

لكن رغم الثلوج الجاثمة على سطح الأرض والبرودة العارمة والقلق المستولي عليها وسط تنفيذ خيارها الصعب، كانت مفعمة بالأمل وترنوا لإجتياز كل هذا الصعاب والمحن بعد عبورهما من حدود ايران و وصولهم للأراضي التركية.

لكن سرعان ما وصلوا إلى المعبر الحدودي، ذابت أفكارها وباتوا يستعدون للعبور من الجبال الوعرة في ذلك الطقس البارد المثلج.

تحركوا بمعية مجموعة من المضطرين اللاذين بالفرار من البطش والفقر والحرمان والإضطهاد وسط الثلوج الصاقعة تاركين خلفهم كل الذكريات ولحظات الوجع واللوعة.
محملين جراحهم وآلامهم وأحلامهم وتطلعاتهم نحو الحرية والسلم والأمان.

بعد عبورهم الصعب من الطرق الوعرة المحفوفة بالمخاطر وحين وصولهم للمعبر الحدودي واجهوا قساوة جنود الجندارمة التركية حيث إطلاقوا النار عليهم ليجبروهم أن يبتعدوا عن الحدود ،فتراجعوا إلى الخلف ليؤمنوا أنفسهم من الخطر.
في تلك اللحظات المشئومة إجتاحتهم عاصفة ثلجية غيرمتوقعة وظل بهم الطريق وحال دون وصولهم لتركية.

بعد صراع رهيب مع الموت في وسط تساقط الثلوج الصاقعة والطقس البارد والمميت، جمدت قدميها وأثلجت دمائها في عروقها ولفظت زهره أنفاسها الأخيرة وثم فارغت الحياة.

في مشهد مريع بين الخوف والقلق والصراع مع الموت فر الناس إلى أسفل الجبل وبقى حماها نادر وحيدا” يرافقها حتى الموت ولكن لم ينجوا من هذا الأجل، وشاء القدر أن يلتحق بها ويموت في بضعة أمتارا” عنها بين كتل الثلوج الصاقعة.

تحررت أرواحهم من محنة الحياة القاسية ومن قلق الطريق و أوجاع الألم.

عادت أجسادهم الطاهرة إلى الأهواز بعد أيام قليلة وبعد أن عثروا عليهم في وسط الثلوج بين طرق الجبال الوعرة.
زادت الأهواز حزنا” من جديد وأكتست ثوبها الأسود على بياض ثلوج الموت.

وبهذا القدرالمحتوم أنتهت حياتهم وأحلامهم وختمت نهاية قصتهم الأليمة بالعودة إلى أرض الوطن، وعادت زهور الأهواز إلى موطنها ومنبتها حيث ترعرعت ونشأت فيه ودفنت تحت ترابه كحبة قمح راقدة على وسادة الوطن تنتظرالربيع في شهر نيسان وبزوق شمس الحرية والأمل، لتنمو وتنبثق من باطنها وتزهر براعم الحرية والسلام.

✍🏻 عماد ناجي

القصة مستوحاة من الواقع وحقيقية وقعت أخيرا” في الخامس عشر من يناير سنة 2022.م

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.