سلمى عثمان تكتب مدينة التوت


” مدينة التوت”

يحدثُ أن تحاول السرقة، ليأتي أحدهم ويسرق ما تملك.

هذا ما حدث معي بالفعل، كنت أودُ أن أغامر وأسرق بضعة حبات توت وإذ بها هي من سرقت قلبي، بنظرة واحدة فقط من عينيها.

كنتُ ذاهبََا لزيارة خالتي، فمنذ سنواتٍ لم أقم بزيارتها من بعد وفاة أمي، بسبب المسافة ومشاغل العمل، لكنني أردتُ أن أخذ قسطََا من الراحة وأزورها، وأنا بالطريق إليها بيتها رأيتُ أشجار التوت على جانب الطريق، خطرت لي فكرة بأن أسرق بضعة حبات توت، لأنني أحبه كثيرََا، لم أُرد أن أشتري هذه المرة، أردُت المخاطرة، قمت بهز شجرة التوت حتى سقطت حبات التوت بين يدي، وإذ فجأة سمعتُ أحدهم يقول من خلفي :ماذا تفعل أيها السارق؟ أترك التوت

وقعت حبات التوت على قميصي لأُدرك في لحظتها أنني لم أعد الطفل السابق البارع في السرقة لم تنجح مغامرتي هذه المرة، ألتفتُ للصوت لأرى فتاة في ريعان شبابها، نظرتُ لها ولم أنطق بحرف واحد، سرقت قلبي في لحظتها ليس لأنها جميلة، لا شك بأنها جميلة، لكن أسرني شيءٌ أخر، شعرت وكأنني أعرفها من عشرات السنين، وكأن هناك رابط ما بيننا، ربما رابط الروح، هذا الرابط وجمال عيناها وشعرها البني المموج الذي يصل لنصف ظهرها، وبشرتها السمراء، كل هذه الأشياء أسرتني.

أستيقظتُ من شرودي عليها وهي تقول بصوت مرتفع هذه المرة وتحرك أصابعها أمام عيناي: يا أستاذ، هل تسمعني؟ ماذا تفعل هنا؟ ألن تُجيب؟ حسنََا لا تتحرك.

وأخذت تُنادي بأعلى صوت على شخصٍ يُدعى عم محمد.
جاء عم محمد ليسألها: ماذا يحدثُ يا هند؟ ومن هذا؟

أجابته: لا أدري من هذا الشخص، لقد أمسكته يسرق التوت، سألته من هو وماذا يفعل هنا ولماذا يسرق التوت، لكنه لا يجيبني، أظنه أحمقََا أو ربما لا يسمع.

قاطعت حديثهما لأقول: لستُ أحمق وكما ترين أسمع جيدََا، ولست أنا السارق الوحيد هنا، كل ما في الأمر أنني أشتهيتُ التوت فقط، ولم أرد أن أشتريه، أردت أن أعود لطفولتي وأسرق حبات التوت فقط؛ لكن هذه المغامرة باءت بالفشل بفضلكِ.

قالت لي بسخرية: ألا تستحي أن تسرق التوت وأنت بهذا العُمر؟

هممتُ لأرد عليها؛ لكن قاطعها عم محمد قائلََا بصوت حنون: بما أنك أشتهيت التوت يا ولدي، فخذ ما تشتهي، فأنا لا أمنع أحد من حبات التوت، فشجر التوت كريمٌ يا ولدي علمني الكرم، كنتُ فقيرََا وبسبب شجر التوت وجمعي لحبات التوت أستطعتُ أن أملك مالََا؛ لذلك يا ولدي خذ من التوت بقدر ما تشتهي، شجر التوت أصل الكرم، شجر التوت شاهد على قصتي.

من عادتي إذا أردتُ العودة إلى مكانٍ ثانيةََ تركت شيئََا يخصني، أما هذه المرة فقلبي هو الذي تركني وذهب لهند.

تركتهما وذهبت لخالتي طرقت على باب البيت لتفتح لي خالتي وهي تبتسم بسعادة وتقول: نورت يا أحمد، لكن سرعان ما تشهق وتقول ماذا حصل لقميصك هكذا، ما هذه البقعة الحمراء؟
أبتسمت وأخذتُ أقص عليها ما حدث، بينما هي تضحك على طفولتي هذه، أنا شارد في هند التي سرقت قلبي من دون أن تُبالي.

لتقول خالتي: بقعة التوت لا تزول يا أحمد، لقد خسرت هذا القميص، أأنت سعيد هكذا؟

أبتسمت لها وفي عقلي أقول: وقعت حبه التوت على قميصي لتترك أثرها عليه للأبد، كما وقعتُ انا في حب هند ولتترك هي أثرها في قلبي.

لقد تلف القميص الأبيض لكن لا بأس بأن تتلف بعض الأشياء من أجل الحب.

كانت هند عديمة الشفقة جدََا، لقد فعلتُ الكثير لكي تقع بحبي وتقبل زواجنا، حتى أن عم محمد أشفق عليّ ذهبت له كثيرََا لكيّ يُقنع هند، حتى أن خالتي كانت تقول لي لم تكن تأني إلى هنا كثيرََا متعللََا بالعمل والمسافة، أما الآن عندما وقعت بحب هند، لم تُبالي بأي منهم، وكنت أقول لها لقد سرقت قلبي وأنا أحاول إستعادته فقط.

ها أنا هُنا الآن عند شجرة التوت أنا وهند بعد زواجنا، هنا حيثُ بدأ كل شيء.

أردتُ أن يكون شجر التوت شاهد على قصتنا دائمََا، كما هو شاهد على قصة عم محمد.

سلمى_عثمان

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.