ما رواه البركان
لم أكن أصدِّق يومُا بأنّ السّكوت علامة رِضَا لذلك لا يمكنك أن تعلم قطُّ كم أنا أعاني من شدّة الألم، بعض من الأوجاع و الفوضى العارمة داخل مخيّلتي . لا تقول بأنّ ذاك البركان هادئ اليوم و أنت لم تره سوى من بعيد . لنقل أنّني مثله أو نسخة مطابقة للأصل منه لهذا أظهرُ لك من بعيد أنّني على ما يرام و لا شيء يدعو للقلق أتعرف ذلك البركان ؟ نعم أنا أغلي مثله تمامًا لكن من يعلم بهذا الغليان لا أحد سوى البركان نفسه .
عندما كنتُ في الرّابعة عشرة من عمري كنتُ أخاف من كلمة كتمان أو عدم البوح، دائما ما كنتُ أعيش في صراعٍ داخلي مع نفسي .. صراعٍ مع السّكوت و عدم الكلام و مع إخراج كلّ ما في قلبي حينها لم أكن أعلم أن الشعور بحدّ ذاته يكلّفك نفسك لأنّني كنت في سنّ المراهقة و مع إحتماليّة أنّني لم أعش أيّامًا سيّئة لتلك الدّرجة لكنّني لطالما ما كنتُ أستلهم أحاسيسي من بعض من أغانيَّ المفضّلة في ذلك الحين.. و مع التقدّم في السّن بدأت أفهم كثيرًا من الأشياء أغلبها كنت أعرفها جيّدا و كان ينتابني شعورٌ مخيف تجاهها و هيّ القدرة على الكلام.. دائمًا ما كنت في تناقض مع نفسي و كانت آرائي متضاربة بعض الشّيء كأطروحات الفلاسفة كنت أحبّ أن أبقى على نفس الحال و أكتم أحاسيسي تجاه أيّ شيء يواجهني و كنت في نفس الوقت أبحث عن من أرتاح له و أحكي له ما ينتابني من أحاسيس و شعور . لقد أحببت أن أجد شخصًا يسمعني فقط لا ليحكم عليَّ و لا ليتركني في منتصف الطّريق أعاني من أمرين و هما البوح و الّذي لا أحبّه و الثّاني هوّ الإعتياد على ذلك الشّخص.
كلّ من حولي لديهم مشكلة لا أعلم ما هيّ لكن لماذا يريدون منّي الحديث عن نفسي و عن ما يواجهني و عمّا أحسّ به و بعدها يقولون أنّني متشائم و سلبي ؟؟ سؤال يطرح نفسه لكنّي لم أعلم جوابه، بالتّأكيد الخطأ ليس فيّ بل هوّ. هوّ الّذي تعهّد أن يتقبّلني بكلّ حالاتي ليس أنا.. لست مثلهم أنا إذا ما وعدتُ بالبقاء فإنّني أبقى حتّى لو كان المكان لم يعد يخصّني أو أصبح مهشّمًا جرّاء بعض أفعال لا إراديّة و أخطاء صبيانيّة تدلّ على عدم المسؤوليّة و تعكس تفكير الشّخص.. لكن ما لا يعلموه أنّ هذا الشّخص الّذي قالوا عنه أنّه متشائم هو بصيص أمل لأشخاص آخرين إلتجؤوا إليه و لم يخيّب ظنّهم، هو ملجأ لكلّ من واساه و خفّف عنه .
أن تبقى ساكتًا هو ليس بالشّيء الهيّن إطلاقًا، قلبك الّذي يحترق و روحك الّتي تتمرمر حينها، الشّيء الممتع في الأمر هو رؤيانك لأشياء لا تعجبك، سماعك لكلامٍ يوجعك و يجعل قلبك يعتصر في اللّيل، تذكّرك لذكريات جميلة لم تعد موجودة و أصبحت من الماضي، سكوتك سيقتلك صدّقني فلا تتظاهر بالقوّة بتاتًا ، فكلّ منّا لديه عواطف و أحاسيس تأتينا فترة قوّة و فترة ضعف و لا يمكن لأحد أن يهرب منها حتّى لو حاولت لن تتمكّن من الهروب منه كطيفها الّذي يستمرّ في زيارتك ليلاً عند تقلّبك في الفراش…
تحلّيك بالصّمت هو بمثابة الموت البطيء حتّى لو إعتدت عليه حتّى لو لم تعرف كيف أصبحت هكذا سيقوم بقتلك فالصّمت قوّة و هو أبلغ من الكبت لأنّ أساسه الأدب و الحب مع الرّغبة في عدم جرح الطّرف الآخر حتّى لو أساء لكنّ الكبت أكثره ضعفا و هوّ حيلة أساسها الدّفاع و الخوف.. لذلك يقوم العقل على إنكار المشاعر لأنّها قد تمثّل تهديدًا للفرد.. لقد وجدوا أن كبت المشاعر كالغضب و البكاء من تجربة سيّئة، قد يكون أكثر عرضة لإضطرابات المزاج النّفسيّة كالقلق و الإكتئاب..
ذلك البركان الّذي حدّثتكم عنه هو هادئ الآن لكنّه يغلي من الدّاخل، ينتظر وقت هيجانه الّتي لا تشبه لا هيجان بحر و لا طقس مغيّم بالعواصف، لكنّ الحذر واجب من هيجان البركان فدولة بأكملها تتخوّف من هيجانه فهوّ قادر على محو جزيرة بأكملها لذلك أنا أنتظر وقت هيجاني ليكون بمثابة فيضان ناري عشوائي كإطلاق رصاصات الحرب .
لقد كان الصّمت أشدّ إرهاق من أيّ شيء آخر…
ديرار منصوري يكتب ما رواه البركان
