(الأخلاق بين الفطرة والاكتساب)
“جامعة المنصورة ضحية”
منذ بضع سنوات لم أكن من منتسبي التعليم الجامعي، دارت مشادة كلامية بيني وبين رجل أعز علي من نفسي دفعتني للعن التعليم الجامعي ومنتسبيه والحاصلين على شهاداته، كنت لا أؤمن بمحورية العلم وما يشتق من هذا الجذر الثلاثي في حياة الإنسان وبناء شخصيته وصقله وتربيته وتهذيبه، وأن الإنسان الأمي قد يجيد من التصرف السوي والأخلاق الحميدة ما لا يجيده المتعلم المثقف حامل الشهادة الجامعية.
عندما سببتُ الرجل في ظهره أمام صديق لي لا أظنه يدري حتى الفرق بين المدرسة والجامعة تنفيسا لغضبي الشديد من سوء فهمه وتفاهمه واستيعابه، قال صديقي: هذه عليك لا لك يا صديقي، فقلتُ وكيف! قال: في أماكن التعليم خاصتهم يعلمونهم الأخلاق وينمون لديهم الجوانب المحمودة منها ويزيلون عنهم الموروث الثقافي غير المحمود من الأخلاق والعادات والتقاليد ويزرعون بهم رُؤىً مختلفة ومتنوعة ويساعدونهم على النظر لشتى مواضيع الحياة من زوايا وجهات متعددة ومتنوعة، وإن الجهل الحقيقي هو ما تفعله أنت يا عبدالرحمن وما أنت عليه، فأنت رجل شديد الغضب سريع الحكم بليد التصرف كثير الجدل متفلسف ديكتاتوري الفكر وعليك الانعطاف إلى الطريق التي تأخذك إلى الجامعة مهما كان الثمن.
جادلت صديقي كثيرا وقلت له: أصبت عين الحقيقة يا أبا جهل مازحا وهذا يثبت صحة قولي، فمثلك تخرج منه حكمة ورأي لم أره عند صاحب الشهادة الجامعية هذا!
مرت السنون ولم أدرِ كيف أصبحت بين أهل الجامعات، كلما تذكرت وأنا بالجامعة كلمات صاحبي المسكين عرفت كم كان جاهلاً مُصيباً بغير قصد.
يتمثل جهله في كون الجامعات بقصد وبغير تجد نفسها لا تصدر إلى المجتمعات غير أشخاص كانوا على قدر من النقص المعلوماتي فزودوهم به، وعلى قدر من الأخلاق جردوهم منه. والأسباب والمسببات وراء ذلك أكبر من أن يتطرق إليها ضعيف مثلي.
وتتمثل إصابته غير المقصودة في أن الأخلاق ليست فطرية على إطلاقها كما أنها ليست مكتسبة على إطلاقها وإنما تضافرهما معا يجعل الإنسان ماضيا في تحقيق الكمال الإنساني المنشود، والذي سيظل ناقصاً على أية حال، ولذلك فإنه يتوجب على الجامعات ومؤسسات التعليم الجامعي وما قبله وما بعده أن تشغل نفسها بتنمية وتعزيز القدر الأخلاقي لدى منتسبيها مع توفير الظروف الملائمة لذلك وإن لم تستطع فعليها المحافظة على بقاء القدر الموجود منه، وألا يكون شغلها وسعيها وراء تنمية وتزويد الطلاب بالحصيلة المعلوماتية المعرفية المجردة من الوجدانيات، فالتعليم مهارة ومعرفة ووجدان، والأخير أقل حظا عند حسبان واهتمامات المؤسسات التعليمية، والجهل الأخلاقي وانعدام سبل تعزيز الوجدانيات أكثر خطورة على مجتمعاتنا وضررا بالمجتمع وأبنائه من الجهل المعلوماتي صاحب النصيب الأكبر من تركيز المؤسسة التعليمية.
ومن المفترض أن أحد أهم أهداف وأدوار تلك المؤسسات وأولهم هو عدم تصدير آفات وعاهات بشرية إلى المجتمع كان الجهل قد أكل نصيباً من أخلاقهم سلفاً والتُهمتْ بقيتها بين أسوار الجامعة الذين ذهبوا إليها باحثين عن الجزء المأكول آملين في إيجاده.
كتبه: عبدالرحمن بن زهران
مغرب اليوم العشرين من شهر يونية.
الاثنين 20/6/2022م.