ديرار منصوري يكتُب :قصّة لم تبدأ بعد
لم تكن آخر رصاصة أُطلقت من سلاحي كما قُلت سابقًا، بلْ كانت عبارة على خطأ فادح خرج منّي بطريقة عفويّة لدرجة أنّني لم أنتبه لها و لم أعيرها أيّة إهتمام.. إنّ الرّصاصة الّتي أطلقها الجندي إحتفالاً بإنتهاء الحرب لم تصب زميله فقط بلْ إنّها علّمته التروّي وعدم التسرّع في الوقت ذاته بعدما أكمل نحيبه، فأحيانًا نحتاج لخسارة شيءٍ ما لنتعلّم درسًا، إنّ هذه الحياة لغريبة حقًًّّا تلقي بنا في المتاهات و العثرات و بعدها تعلّمنا دروسا تظلّ راسخة في ذهنك و تزورك حينما تشاء بعد أن أصبحت من ذكريات الماضي.
عادة ما تقودنا الفرحة الزائدة لفعل شيء يجعلنا نندم عليه مستقبلاً كلاعب كرة القدم، عند إحتفاله بهدف سجّله يجعله يفعل أشياء صغيرة و تافهة تسبّب في طرده كحركة لا أخلاقية يستفزّ بها الفريق المنافس..
كذلك نحن نرتكب الأخطاء و المعاصي ساعة و نلوم أنفسنا بعدها عند الخسارة لكنّ المؤكّد في الأمر أنه دائما ما يوجد هنالك درس نتعلّمه من كل خطأ صحيح أن بشر ولدنا خطائين بالفطرة لكن لماذا نقع في نفس الخطأ كلّ مرّة يعني أنّ المشكلة فينا و ليس في الظروف كما قد يخيّل للبعض.
عند الساعة الثانية صباحا أجلس بقرب المكان الّذي أعمل فيه و أنظر للشّارع و إتّخذتُ الهدوء رفيقًا لي، لكنّ سرعان ما يتعكّر مزاجي لسماعي لنباح كلاب الشارع الضّارة الّتي لا تنفكّ عن السّكوت إلى حين طلوع الشّمس، و أنا جالس أنظر لذلك القطّ الذّي ينظر إليّ هوّ الآخر في تعجّب و حيرة ينبش ذلك القطّ في الحاوية كمن ينبش قلبه تلهّفا للذكريات لا أدري ماذا دهاه بالرّغم من أنه على علم أن تلك الحاوية لا يوجد فيها شيء يسكن جوعه لكنّ الحيوانات ليست كالإنسان ليس لديها عقل تفكّر به إنّها تتعايش مع بعضها البعض بالغريزة تلك هي قدرة الخالق. و لكن لماذا يضطرّ الإنسان للبحث عن الأشياء التي بلا قيمة بالرغم من أنه على علم بأنها ستضيع وقته و ستهدر طاقته البدنيّة و النفسية ؟ نحن أيضا نفعل نفس الشيء فبالرغم من إمتلاكنا للعقل إلا أننا نركض ملهوفين تجاه الأشياء التّافهة و نركض لها ركض الأسد صوب فريسته هل هو غباء أم ماذا ؟
أنا أيضا كنت أركض وراء أشياء بدون قيمة عساها أن تتغيّر كنت أريد منها ان تتغير فقط و لم أكن أعطي و لو ذرّة إهتمام للنّتائج .. لقد كانت وخيمة، قاتلة أو ربّما مروّعة كالكوابيس التي دائما ما تلاحقني في نومي حتى لو غفيت لبضع ساعات.. لم أستطع قطّ أن أنبش بجرح بمثابة الجمر لا تقتدر محيطات الأرض على إخماده ولو قليلاً.. و ما أنا بفاعل مع روح متجمّدة و قلب يشتعل؟
لقد كان قدومها بمثابة رياح هبّت محمّلة بقدومها بعض من النّسمات على سواحل إفريقيا، قدومها كان بمثابة مطرقة ضُربت على رأس مسمار أعوج لتجعله مستقيمًا.. لم يترك لي قدومها المجال لوصفها لكن أتذكّر بعض الملامح و الأوصاف الّتي فيها جذبتني و أفقدتني التّركيز عند دردشتنا ليلتها، تلك النّظرة الحادة في عينيها كانت مزيج من الحب و القوّة، كل ما فيها من تناقض جذبني و جعلني مكبّلا من أوّل رسالة تحدّثنا فيها بجديّة، يعكس عمرها الصغير عقلها و ما قد تفكر به، تصرّفاتها و جرأتها جعلت منها شخصيّة قويّة لتفرض بها نفسها من أول لقاء لدرجة أنّها تقول للمنافق حقيقته في وجهه لكنّها حسّاسة بذلك القدر الّذي يجعلها تبكي لو سمعت كلمة عبثت بنظام قلبها الصّغير، صوتها كان بمثابة موسيقا البيانو الّتي يعزفها ” ياني” غريبة و ليس مفهومة لكنّك تحبّها رغما عنك هذا لأنّها فريدة من نوعها حتّى كدتُ لا أنفكّ عن التفكير به ،إنّه النّوع المفضّل لي
غيّرت إتّجاه سفينتي مباشرةً و قلت لها :”يا مرحبا بالتّجارب الجديدة. ” لم أكن أعير أيّة إهتمام لما حدث معي في الماضي لأنّني دائما كنت أعتبر ما يحدث للبشر عبارة على دروس وجب التعلّم منها لا للتّوقّف في نفس النّقطة و النحيب كوقوف شعراء الجاهلية على الأطلال، هذا لن يعيد ما ضاع منّا لأنّنا لا نخسر بل نتعلّم كما كنت أقول دائما عكس المرّات السّابقة التي لم تعد لديّ القدرة على المحاولة فيها ، فقد إنتزع قلبي و أنا أحاول، ليس في المحاولة فقط بل في الكفاح و السّكوت، التّبرير و عدم المبالاة.. كنت دائما أدفع الثّمن جرّاء أفعالي و صفاوة قلبي التي كانت عفوية دائما لم أكن أعلم بأن الأشخاص التي قابلتها في حياتي لم تتمنّى لي الخير و لو لحظة واحدة كنت دائما ما أخسر جرّائهم شيئا من قلبي أقدّمه كقربان..
هل سنحقّق يوما ما السعادة التي نبحث عنها أم أنّنا سنظلل نبحث عنها على أنّها سراب نوهم به أنفسنا؟ ربّما يوما ما كما قالت ساندرا سراج في روايتها
لم أقع في حُبّك فقط بل وقعت في عشق السّكون و الطّمأنينة الّتي تخلقينها بوجودك، لم أكن أبحث عن السعادة بوجودك، بل كنتِ بحضورك تصنعين من أحزاني لوحة فنيّة رائعة تشكّلينها على ذوقك الخاص لم أشأ فقط أن أنبش بجروحك القديمة فقط خوفا من مخلّفاتها لم أوفق في نبش قلبك خوفا من الخراب الذي خلّفته تجارب الماضي السّيئة لذا تركت للقدر مهمّته المعتادة على أن يجمعنا في وقت آخر مناسب بالرغم من أنني لا أمانع في نبش تلك الجروح التي ظاهرة في عينيك و كلّ تصرّف و كل كلمة تكتبينها لي في رسائلك.. قرّرت أن أتركك على راحتك و في نفس الوقت أردت خوض تجربة جديدة معك و لست خائفة من مخلّفاتها حتّى و إن كانت وخيمة..
ربّما يوما ما سنشفى من آلام الماضي الأليمة.. ربّما يوما سنجد الشّخص المناسب لنكمل معه ما تبقّى من عمرنا.. ربّما يوما ما سنحقّق أحلامنا و نصل بها إلى القمّة أو ربّماا يوما ما سنجد طريقنا إلى السّعادة…
ديرار منصوري يكتُب :قصّة لم تبدأ بعد
