مشيرة يوسف تكتب لا تعطني هذا الدواء
ألم أخبرك قبلا أيتها الطبيبة أني كنت مريضة قلب مفتوح ؟
وقد شفيت ..أو هكذا ظننت ..
نعم قد تنتابني موجات ضيق ،و أصابع متشابكة بالحيرة تعقد وفاقا مع ألمي الصامت لا تود إشعال فتيله مجددا ..
لكنها حائرة مثلي لا تدري .. ماذا يمكنها أن تقدم لي !؟
كيف تشد من أذري !!
وقد اعتادت أصابعي المرور بخفة على الأشياء لتتجاوزها وتقدمها بيسر ، لم تعرف أبدا معنى الاقتناء ..
كيف لأصابع امرٱه مسنة في خريف العمر أن تتعلم ما لم تعرفه أبدا طيلة حياتها !
ابتسمت الطبيبة مجيبة:
_امرٱة مسنة!! حسنا لن أردد على مسامعك ما تعلمينه جيدا لكن يأسك وزهدك يٱبى اعتناق أحقيتك به ، لن أحدثك عن أحقيتك واستحقاقك وقدرك و إمكانياتك ما دمت تصرين على إغلاق كل فصول حياتك على فصل واحد تعتقدين بذلك حقا وواجبا وجسارة!
وهو ليس كذلك سوى بعقلك فقط ..وما تودين إغراق نفسك أكثر فيه ظنا بحسنه وهو ليس كذلك سوى في قلبك فقط ..لكني سأحدثك مؤقتا عن أشيائك الأخرى ، عن تلك الأصابع البراقة،يمكن لتلك الأصابع الكثير ، يمكنها الرسم مجددا ومطولا .. وقد رأيت كم هي أصابع رائعة يمكنها تلوين حياتك بألوان مختلفة ولوحات خلابة لكنك تصرين على خنقها بعزوفك عن مداعبة ألوانها ..
_أية ألوان أيتها الطبيبة! وأية اختلاف يمكنها فعله !! وأية لوحات تلك التي يمكنني رسمها وقد توقفت كل ألوان حياتي عن الولوج لخاطري !!
توقفت حتى الٱمال بأحقيتي بمجرد الحلم بها !!
أنا امرٱه فقدت كل شعف وكل اهتمام وكل أمل، امرٱه ذاع سكنها في واد الكٱبة المظلم حتى اطمئنت لمرافقة وحشته عوضا عن الفرار منه !
امرٱة فقدت كل شيء أحبته ، واختبرتها الأقدار في كل ما أرادته فسلبتها إياه وتقبلت هي طوعا ..
لتفاجٱها مجددا أن كل ذلك ليس كافيا !
لتنقش الكوابيس ساعات نومها القليلة والتي تنالها بعد عناء وأقراص عديده لولاها ما ذاقت طعم السبات الذي نقشته الكوابيس وشوهت راحته !!
أية ألوان أيتها الطبيبة! وقد أصبحت ساعات النهار انقباضا مثخنا بالأفكار المتناقضة وحسابات السابق واللاحق !!
فلم يعد الليل سباتا ولا النهار معاشا !!
أصبح الأرق سجانها المطلق ما إن خاطرت بمحاولات الفرار منه وتناولت عقاقير مقاومته حتى عادت إليه بعد قليل منهكة بما نالها من إعياء مكابدة الكوابيس منهكة أكثر وأكثر !
ماذا يمكن لتلك الأصابع أن ترسم! ومن عساه ليحتمل رؤية ما ترسم !! وكم ستجني لأجل ما ترسم !!
هل تعلمين أيتها الطبيبة معنى خروج امرٱة كتلك من محبسها الذي لم تعرف الحياة بغيره مقاومة لأوجاع احتجازها فيه مدعية لنفسها أنه عفو صحي !
وأن رحلتها معه كان لابد لها أن تنتهي وها هي على وشك الانتهاء لتجد نفسها تتشتت انقباضا وتوجسا لا لشيء سوى لأنها اعتادت الإقامة خلف أروقة المحبس !!
اعتادت نوبات هبوب عواصفه المفاجئة واصابتها بثقوب الاستسلام حتى انتهاء المرور !!
اعتادت تسويف أيامها بالإذعان والصبر والنذور !!
كيف لها أن تنسى ما علق في صدرها وعقلها وروحها من ندوب وٱثار وكسور وجبور !!
بل كيف لها أن تتيقن إن ذلك الخروج الموحش هو ٱمن حقا لها ولأحبابها وأن ظلمة طريق العمر وظلامه انتهت وأن القادم هو ذلك السلام المرجو وذلك النور !
أي سلام قد تشعره ولا زالت سطور الفزع ترقب حيواتهم من حولهم !!
وأي نور قد ترتجيه والقلب منفطر بٱلامه الكثر ومنفطر أكثر بمخاوف تهزمه !!
أية ألوان أيتها الطبيبة!
لم أحلم أبدا باحترافي دائرة الألوان ،كانت بالنسبه لي مجرد خربشات على نافذة الزمن ألقيها لأبدد وحشة أيامي فأنا لا أعرف لي منفسا سواها ..
فكيف أحترف المنفس حلما وعملا وقد خلت نفسي من كل شغف به وزهدته أيامي !!
لا أريد سوى الأمان طبيبتي فهل يمكنك منحي إياه !
أريد الأمان لقلبي فلم يعد باستطاعتي احتمال فصولا أخرى بصحيفة عمري واسأل الله ألا يختبرني بفقد أكثر وافظع من كل ما فقدت مسبقا ..
أريد الأمان لأحبابي ،أريد مطالعتهم بخير ..
هل يمكنك منحي أقراصا تمرر تلك الأيام القادمة ..علني أرشف قطرة أمل ، علني أرفل بلحظة سلام !!
أو اخبريني أيتها الطبيبة هل ما أعانيه من انقباضات وارتجافات مقلقة هي أعراض انسحاب ذلك المخدر من جسدي بعد اعتيادي عليه ؟
أم هي شارات ألم قادم لا أعرف من أين سيٱتي لكني أعلم فقط ذلك الشعور الموحش بقلبي المنقبض ..فقد اختبرته قبلا
وأتمنى أن أكون مخطئة في حدسي ..
فهل لديك أيتها الطبيبة عقار يشفيني أو يجعلني أقترب يوما من منصات الشفاء ؟
أم أنك لا يمكنك إعطائي سوى مزيد من خدر أقاوم به خدر يلقيني في بئر من كوابيس ليل لا ينتهي إلا بتسليمي لخانات خدر نهاري لا يقطعه سوى نوبات غضب ؟
تلك النوبات التي تنتابني وأنا أحاول الفرار من ضجيج عبثها بأعصابي وأنا أحاول كبح ألسنتها التي تنهش بصمتي تفترس صبره بداخلي فتثور أكثر تفجرا !!
إن كان ذلك
فكلا أيتها الطبيبة أرجوك …
لا تعطيني هذا الدواء ..