قبلًا كنت كلما رأيت المطر أقول، أحد الملائكة يبكي.
وكلما رأيت السجن أقول: أحدٌ فطر قلبه فأصبح قاسيًا للغاية على الجميع.
وكلما رأيت عاشقين راحلين أقول: رحلا ليكتشفا حقيقة هبوطنا الأول من الجنة.
وكلما رأيت ثورة: أقول غضب الشيطان غضبته.
وكلما رأيت طريقًا ممهدًا: أقول هو رجل أخفى حزنه جيدًا وبدا صلبًا.
والآن، وبعد أن أفناني الشوق، فبكيت رحيلك أمطارًا، وسجنني الحنين في سجنه اللعين، واشعلت ثورتي على الحياة والموت، وأخفيت هزيمتي جيدًا عن الأصدقاء والأهل.
الآن بعدما هبطت من جنتك لناري، عاريًا من كل شوق كان يقيني اللهب، وبلا أمل، وبلا يأس.
أقف أمامك متجردًا… منكِ، ومني.
وأقول بصرخة لم أكن أدري أنني قادرٌ عليها: فُطر قلبي هذه المرة.
لا لغيابك الصامت، ولا حضور باهت لغيرك، ولا لخيانتي المستمرة.
فُطر قلبي لأنني انخلعت أمامك كما لا ينبغي لمثلي أن يفعل.
وأظنك لا تعرفين ما يصنعه الرجال إذا ما فطرت قلوبهم… دعيني أخبركِ الأمر.
في قصة الهبوط الأول، واستقرار آدم وزوجه في مشقة أبدية لا تنتهي، لم تفطر قلوبهما، فقاوما بالحب حينًا، وبالأمل أحيانًا، وعمّرا أرضًا وأكوانًا… وحده الذي فُطر قلبه، كان قابيل.
ألهب عقله بعشقٍ محرمٍ، ظنّ السماء ستنصفه، ولما ظهر الأمر له بحقيقته وشعر بحزنه الأبدي، قتل أخاه.
وقبله بكثير فعلها الشيطان لما احتل مخلوق طيني مكانة أقرب عند المولى، فكانت نتيجة ذلك أنه ارتضى الطرد واللعنة، إلى الأبد.
حينما ينفطر قلب الرجل صديقتي سيلين، يسجن روحه بإرادة هذا الذي خاض حروبًا ضارية ضد الحياة.
حينما ينفطر قلب الرجل، لا يعبأ بامرأة تهبه روحًا جديدة، ويقسم قلبها نصفين، لتعلم الحقيقة.
وأنا هذا الرجل الآن.
الحزن الذي يعتريني يفتك بي.
ضعفي الذي ألقيته بين يديك بثقةٍ تامة أنكِ ستنصفينه مهما ثقل، وتضمدينه مهما أثخنت جراحه، فطر قلبي كما لا أستطيع الوصف.
إنّ ما أصنعه الآن ليس مقاومة كما يبدو… فقط أنا أجسد صورة جندي قتلت فرقته كاملة، وداهمه الموت، والانهزام… الآن فقط أطلق نيراني على كل شيء ثقة مني أن الأمر نهايته حتمية… وأنني لا نجاة لي.
أنا لم أكن أرغب في هذا كله، فقط طمعت في بيت هادئ ننتشي فيه محبةٍ وفرحًا، قبلةٍ نضمد بها شقوق قلبينا، عناقٍ نزور فيه الجنة، ونهون به مأساة حياتنا كما صنع آدم وزوجه بعد الهبوط.
أحلامي بسيطة جدًا، ويأسي الآن على فقدانها لا يوصف!
أنا الآن منهزم كما لم يحدث قبلًا، ولن يحدث بعد ذلك.
كنتِ مسيحي المخلص، فلما رحلتِ أيقنت الآن أنني دجال نهايته النار، مهما صنع.
صديقتي، هزيمتي لم تكن رحيلك… هزيمتي أنني بحت إليكِ بما لا ينبغي… ذكرت بنشوة طفولية ما جعلني عاريًا تمامًا، وضعيفًا.
الآن ربما سأصمت، لكن ثقي أنني انهزمت تمامًا هذه المرة.
إبراهيم جمال يكتب بكاء المطر
