إبراهيم جمال يكتب قصة الصباح


بينما كنت أكتب قصة في الصباح، صرخ رجل كان يسكن أوراقًا نسيتها منذ مدة.
قال لي بصوت غاضب: ” يا هذا! ألم تكتف بقتل حيوات الأبرياء بأفكارك اللعينة، ومدوناتك التي لا تنتهي، وحكاياتك التي لا تضع لها ختامًا يليق؟”
لم أكن أدري أن ثَمّة حياة تسكن هذه الأدراج.
أخرجته ونفضت عن عاتقه كومة التراب التي يصرخ من أنقاضها فاستحال إلى شخصٍ أحاكيه ويحاكيني… وأسميته بلا سبب صديقي ج.
قال ج: سافرت معك بحثًا عنك، انتقلنا معًا، خضنا غمار اللغة، وبحور بلاغتها، وأنقذنا تشابك جسدينا من الغرق فيها.
رأينا شجيراتٍ تنبت بقلوب أحدهم، وغاباتٍ في قلوب أخر.
طفنا بمقام لطفل غرق في بحر المحبة، وآخر غرق في دماء الحروب.
ولما قصصنا الأمر ببدايته وخطاه، سكت عن الختام، ولم تدرك أنني هنا في انتظار أي نهاية تكن. فأنت أكثر الأشخاص إدراكاً لقسوة الانتظار، وملل الصمت.
قلت ل ج: يا صديقي لم أجد نفسي في أي شيء كنته حتى الآن.
كتبت حتى اشتعلتْ شهرةُ أحرفي. تزوجت امرأة رائقة الجمال خرافية الحسن، بديعة الأوصاف.
لدي عائلة، وأصدقاء، وعمل مستقر، وبيت واسع ورحب، غير أنني أشعر دومًا بالضجر لشيء لا أعرفه.
قلت لنفسي أنه في اللحظة المناسبة قبل الموت يدرك الجميع السر الحقيقي لوجوده، وبعدها إما جنة وإما جحيم.
الجحيم الذي يتولد عندما نعرف أننا بددنا فرصًا لإجلال معجزة الحياة.
والجنة في قدرة القول أننا ارتكبنا بعض الأخطاء، غير أننا لم نكن جبناء أبدًا، عشنا الحياة، وفعلنا ما كان يفترض لنا أن نفعله.
وإلى الآن لم أعرف إذا ما بددت فرصة الحياة، أم أنني فعلت ما يجب على فعله.
من ورقة أخرى صرخت فتاة بحسن جنوبي طيني اللون، وقلب أخضر كنبات.
قالت لي… رأيتك تشارك في حروب لا دخل لك بها، حاربت مع فتاة لتلقى محبوبها، مع صديق ليحفظ عهد صداقته، مع حارس ليقضي أوقات دوامه بهدوء، مع تائه غريب لتصل به إلى وجهته.
فماذا وجدت بعد هذه الحروب، فأنت لم تكمل ما بدأته في قصتي.
قلت لها، وتذكرت أنني كنت أناديها بفاطمة… فاطمة التي خاضت معي رحلة في إسبانيا، وهبطت معي وادي النيل، وسافرنا معًا إلي قريتها الصغيرة أقصى الجنوب، ظنًا مني أنني أستطيع إحكام فلسفتي، وكتابة قصة محكمة النسق، وكالعادة لم أستطع إكمالها، فألقيتها في أدراج الصمت ونسيتها.
قال ج: لا أظنك تستطيع العودة إليك مرة أخرى.
ولن تكمل قصة بدأتها. ولن تنجو.
من بعيد رأيتكِ مقبلةً نحوي، فنسيتُ الأشياء التي كنت أغزلُ حروفها، وأسقطتُ أبطال قصص مبتورة في بئر الصمت، وقلت فجأة… أنتِ تمام قصتي، وأحلامي، ونهاية رحلتي.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.