لستُ قاسيًا بالمرة… غاية ما هنالك أنني الجأ للاختباء كثيرًا، فيسمونه تجاهلًا أو قسوة، غير أنه لا هذا ولا ذاك، هو فقط هروبٌ للوقوف على الذات.
أتذكر أنني قلت ذات يومٍ إن السقوطَ اكتشاف، وإلى الآن أنا أكتشف.
أكتشف الحياةَ، والحبَ، والموتَ، والخوفَ، وغيرَهم
واكتشفتني… أنا صغيرُ الحجمِ قصيرُ اليدِ المدعو ب “ابن عطاء”، أرى إن اسمي وحده سبيلُ سخريةٍ ” ابن عطاء”.
أنا أعطي كلَ شيءٍ حقًا… أعطي دموعي لهذه الشجرةَ المتساقطُ أوراقها علّها تنمو، وأعطي يديّ لهذا العجوزِ الذي يصعدُ إلى السيارةِ لأساعده، وأعطي قدمي لطريق التيه، وأعطي خوفي لذاتي… “ابن عطاء” هذا اسمي، ولا أعلم مَنْ وضع قانونًا ينصُّ على أن لكل امرئٍ حظًا من اسمه، لا شك أنه عربيٌ ضعيفٌ
لا يُهم.
دعكَ من اسمي فلا حاجةَ لنا به ودعنا نعودُ إلى حيثما يُفترض علينا أن نبدأ منه.
القَسوة، يتهمونني بالقسوةِ كثيرًا، ربما هم محقون، ربما أنا قاسٍ فعلا… ربما… لا يُهم
فإني أنا صديقُ الخوفِ وصديقُ الموتِ وصديقُ السقوطِ وصديقُك فدعني أُخبركَ كثيرًا عن ما يعانونه مني؛
أنا قاسٍ جدًا بترددي الدافعِ إلى الصمتِ والعزلة… أخبئُ الدمعاتِ عنهم فلا يظهر إلا عدم اهتمامي لهم، أتوحدُ داخل عقلي كثيرًا وأرغب بالرحيل،
الرحيلُ يا صديقي، هذه الغايةُ من الحياة، الرحيلُ الذي سرقهم مني كما يسرقُ كلَ يومٍ شمسَ النهارِ وقمرَ الليل… إنه محورُ دائرةِ الكون وغايةُ وجوده… الرحيلُ يا صديقي الذي بلغ بجسدي مبلغَه.
رحلتْ يدي لكلِ عابرٍ ولم تعد… رحلتْ خطاي إلى طريقٍ لا نهايةَ له ولا كنزَ فيه… رحلتْ دموعي إلى شجرةٍ ماتت جذورُها فلَمْ تُزهِر أوراقُها.. ورحلتُ أنا!
أنا “ابنُ عطاء” الفقيرُ قصيرُ القامةِ صاحبُ الشيطانِ وصديقُ الصمتِ أجلس إليك َ يا صديقي لأخبرك أنني معترفٌ بكلِ التُهمِ التي ألصقوها إليّ،
فأنا قاسٍ جدًا إذ أصمتُ بحزني وأنا أشاهد الحربَ تأكلُ البشرَ وتأكلُني.
أنا قاسٍ لأنني أهرب ُ من الموتِ لحجرتي الصغيرة فأموتُ حزنًا.
أنا قاسٍ لأنني أخافُ التحدثَ يا صديقي!
فماذا قد يُجدي الفيلسوف إلا أن تُجتزَ رقبته لأنه يدركُ الكثير.
أدرك الكثيرَ نعم فأنا لطالما سقطتُ فيما سبق.
ولقد أخبرتك إن السقوط اكتشاف، وهأنذا “ابن عطاء” الفقير ذو الأربعِ وعشرين سنة أخبركم أنني قاسٍ كثيرًا
أقسى من أسلحتِكم… وضغطِكم… وخوفِكم… وملامتِكم
انا معترفٌ بما تقولون.
إبراهيم جمال يكتب لست قاسيا
