إبراهيم جمال يكتب عزيزتي فريا


عزيزتي فريا…
أعرف أنني أحمق كفاية لفشلي الواضح في كتابة نصٍ مُنمقٍ إليكِ…
لكنني كلما حاولتُ صياغة النص بطيش كاتب مبتدئ، انهالت نظريات النقد التي درستها على عقلي، فأفقد أفكاري كلها، وأكتب بلا رؤية وبلا أثر.
لكن في الصباح لقيت قطةً مشردةً أسفل البيت، وعلى غير العادة شعرت تجاهها بودٍ وحب… وأنا كما أَخبركِ أودين عنّي، كنتُ أخشى القطط حتى وقتٍ قريب.
لا أدري إن كنتُ أخبرتكِ عن سبب خوفي منها قبل اليوم أم لا، لكنني متأكدٌ أنني أخبرتكِ عن محاولتي التغلب على خوفي بأن أتبنى قطةً في البيت.
هذه طريقتي في مواجهة الأشياء المرعبة والمربكة في حياتي، المواجهة والصدام.
قديمًا لما خشيت شيخ المسجد لعنته في حضور الجميع، ولما خشيت الطريق مشيت فيه، ولما خشيت أبي وقفت أمامه في تحدٍ واضح ومهذب بعض الشيء، ولما خشيت الحاكم أطلقت ثورتي ضده، ولما خشيت وحدتي ابتعت شقةً صغيرةً قضيتُ فيها عَشْر سنوات مضت منذ الآن.
عزيرتي فريا.. سامحيني لقد استرسلت كثيرًا في أشياء لم أكن أرغب في الحديث عنها، لنعد إذًا إلي القطة المشردة.. كان شعرها كثيفًا ويبدو باللون الذهبي أسفل أشعة الشمس، الأمر الذي يبدو غريبًا عن قطةٍ تقطن الشارع بلا مأوى.
نظرتْ إلي بحدة واقتربتْ مني، حينها شعرتُ بلطف تجاهها، ولما مددتُ يدي نحوها أداعبها لأشعرها بأمان وحُنو…
للحظة شعرتُ أنها قطةٌ وُلدت في بيتٍ من بيوت السادة الأغنياء، وتنحدرُ من نسلٍ عريقٍ ربما ترجع أصوله لقبل آدم، أو ربما هي حفيدة زوج القطط الناجية مع نوح في فُلْكه القديم.
لا يُهِم، لما مددتُ يدي إليها رأيتُ فيها براءةً كالتي رأيتُها في عينيكِ أول مرة.
أتذكرين؟ كنا قِبالة نهرٍ خالدٍ ينحدر من الجنة، ويَقسمُ شبحَ مدينتنا فينهزم له عمرانها العشوائي، وغوغائيتها، كنا نحكي ما لا تستطيع ألسنتنا البوح به…
أقولُ مثلًا أنني سيء كفاية، فتقولين بصمتٍ وابتسام: قبلتُ بكْ.
أقول مثلًا أنني مُحمّلٌ بأعباء الماضي، فتقولين: يدي ستضمدُ ندوبك باحتضان وحُنو.
لامستْ القطة يدي، ففتحت لها باب البيت، وأدخلتها.
بالداخل أعددتُ لها بيتًا صغيرًا من خشب قديم كان في الشرفة، ووضعت لها طعامًا كان هو كل ما تبقى من فطوري، ومشطتُ لها شعرها الكثيف بمشطٍ خشبيّ باقٍ كأثرٍ يحدثني عن قطتي القديمة.
عزيزتي فريا تَقطُنُ معي قطةٌ منذ ساعتين، تحولت فيها من قطةٍ مشردةٍ لقيطة، إلى قطةٍ خرافية الجمال.
الآن أذكرُ حديثنا الأول حين قلتِ بهدوءٍ وابتسام: يا صغيري يَسْكُنُ الجمالُ خلف ستائرَ القبحِ، فلا تخشى نفسَك ما دمتَ تراه، فالجمالُ الحقيقي شديدُ الخجل، فلا يظهر ببساطة إلا لمستحقيه.
وأظنني أستحقك رُغم ما في من سوءٍ وهذيان.
عزيزتي فريا… اغفري لي عجزي عن إتمامِ قصةٍ متكاملة النسج، فأنا لم أعد أستطيع الكتابة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.